دخل الوزير الأول اللبناني المعين، الدبلوماسي مصطفى أديب سباقا ضد الساعة لتشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة الوزير الأول المستقيل حسان دياب الذي لم يصمد أمام قوة الزلزال الذي أحدثه الانفجار المأساوي الذي هز مرفأ بيروت في الرابع أوت الماضي. وتعهد الوزير الأول الجديد بتشكيل حكومة في وقت قياسي قال إنها ستكون مشكلة من شخصيات "كفؤة" وذات خبرة، مهمتها إنجاز عملية إصلاح جذرية للمنظومة السياسية والاقتصادية في البلاد، والتي تصر شرائح الشعب اللبناني على تحقيقها كشرط لوقف مظاهراتها الاحتجاجية ضد طبقة سياسية متهالكة. وحذر أديب الذي تم استدعاؤه من منصبه كسفير للبنان بالعاصمة الألمانية لتشكيل حكومة جديدة بعد تعيينه من طرف الرئيس ميشال عون، بطريقة ضمنية أن مهمته لن تكون سهلة بقناعة أن هامش التحرك ضيق وأنه قبل الاضطلاع بهذه المسؤولية في مثل الظروف التي يمر بها لبنان، بناء على توافق بين كل القوى السياسية حول شخصه والتي اقتنعت بضرورة تشكيل الحكومة في فترة قياسية. وحصل مصطفى أديب الذي انتقل من أستاذ في الجامعة اللبنانية إلى الدبلوماسية سنة 2013 على تأييد 90 نائبا في البرلمان اللبناني أمام المرشح الآخر، نواف سلام الذي لم يحصل سوى على 15 صوتا مقابل امتناع 7 نواب عن التصويت، بينما لم تحصل الوزيرة السابقة، ريا الحسن والمرشح فضل شلق سوى على صوت واحد لكل منهما من مجموع 128 نائبا الذي يتكون منه البرلمان اللبناني. واعترف مصطفى أديب بطريقة ضمنية أن رهان تشكيل حكومته في وقت قياسي فرضته الظروف الداخلية والضغوط الدولية التي تتعرض لها السلطات اللبنانية على خلفية الانفجار المروع الذي ضرب قلب العاصمة بيروت وخلف مقتل 188 شخصا وإصابة 6500 آخرين وفقدان 350 ألف لبناني مساكنهم. وهي وضعية كارثية جعلت أطياف المشهد السياسي اللبناني بمختلف توجهاتهم وعرقياتهم وطوائفهم يقتنعون أنه لا خيار لهم سوى قبول الأمر الواقع الدولي وتشكيل حكومة في وقت قياسي قبل الشروع في إصلاحات عميقة تبدأ باتفاق مع صندوق النقد الدولي. ووقع الاتفاق بين رؤوساء الحكومات السابقة، السنيين، سعد الحريري وتمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة على ترشيح أديب لتولي مهمة قيادة الحكومة الجديدة مما سهل على الرئيس ميشال عون مهمته، على عكس الحكومات السابقة. كما أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم إلى بيروت بعد زيارة أولى قام بها، يومين بعد كارثة الميناء كان لها تأثير مباشر في تسجيل هذه التطورات المتسارعة وجعل كل القوى السياسية تتفاعل إيجابا مع هذه التطورات. وكان الرئيس الفرنسي توعد بطريقة ضمنية كل الطبقة السياسية بحرمانها من المساعدات الدولية لإعادة بناء ما دمره الانفجار وكذا إعادة بعث الاقتصاد اللبناني المنهار، ما لم تقم بإحداث قطيعة مع أساليب التسيير السابقة والتي كانت سببا في خروج مئات آلاف اللبنانيين إلى الشارع في مظاهرات متواصلة منذ خريف العام الماضي للمطالبة برحيل الوجوه السياسية التي تداولت على مقاليد السلطة في بيروت على مدى ثلاثة عقود التي تلت اتفاق مدينة الطائف السعودية والذي أنهى حربا أهلية مدمرة سنة 1990. فهل يتمكن هذا الأستاذ الجامعي والدبلوماسي غير المعروف في الساحة اللبنانية على تفكيك ألغام المشهد اللبناني ورفع تحدي التغيير بالنظر إلى حجم المشاكل التي تواجهها بلاده؟ ويبقى هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرحه كافة اللبنانيين بالنظر إلى تجربة الفشل التي لاحقت كل الحكومات السابقة وأيضا بسبب تعقيدات المشهد اللبناني وتشابك مصالح أطراف فاعلة في أعلى هرم السلطة وتباين مواقف أطرافها بخصوص الكثير من القضايا الحساسة ومنها طبيعة النظام الطائفي المعمول به والذي زاد في حدة التجاذبات بين أطرافه وحال دون نجاح كل جهد لحلحلة ترسبات ثلاثة عقود من التسيير الكارثي لبلد يفتقد لأدنى الموارد والإمكانيات، جعلته يعتمد وبشكل كلي على الإعانات والقروض التي عادة ما تمنحها هيئات مصرفية عالمية بشروط تعجيزية. كما أن رهان التغيير الذي تطالب به شرائح الشعب اللبناني ومعها المجموعة الدولية ليس بالأمر الهين في طريق رئيس حكومة يفتقر للخبرة اللازمة وهو الذي يكون قد وقف على حجم هذه الرهانات أمس، عندما قام بأول جولة ميدانية في ميناء بيروت وأحيائها المدمرة ليكون أول مسؤول سام يعاين عن كثب هول كارثة انفجار الميناء والصعوبات التي تنتظره من دون أن يمنعه ذلك من الإدلاء بتصريح مقتضب أراد من خلاله أن يزرع الأمل في نفوس سكان الأحياء المنكوبة وكل اللبنانيين طالبا منهم وضع ثقتهم فيه. والمؤكد أن الرهان يبقى صعبا ولكنه غير مستحيل تحديه، ويكفي فقط توفر إرادة سياسية قوية تعيد ثقة اللبنانيين وكل المجموعة الدولية في سلطة لبنانية يتعين عليها أن تتكيف مع واقع مفروض.