النية في الإسلام مهمة للغاية، فعليها يثاب المؤمن وعليها يعاقب وبها تقبل الأعمال وبها ترد، والأصل في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"، قال النووي - رحمه الله - أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده وصحته، وقال الشافعي: هو ثلث الإسلام ويدخل في سبعين بابا من الفقه، وقال آخرون: هو ربع الإسلام· وسبب ورود الحديث، أن رجلا من قريش هاجر إلى المدينة مع المسلمين من أجل امرأة، يقال لها أم قيس فعرض به النبي صلى الله عليه وسلم تنفيرا عن مثل قصده، فمنه يتبين مدى أهمية النية ومدى تأثيرها على الأعمال ومدى خطورتها، فالنية عليها مدار العمل، ولا يتقبل الله من الإنسان أي عمل بدون نية، لذلك كانت النية في الإسلام شرطا لا يقبل الله العمل إلا بها، وهذا يدل على اهتمام الإسلام بالجوهر اهتماما كليا، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم"· وقد حذر عليه الصلاة والسلام من أن تكون النية في الأعمال لغير الله، لما يترتب عن ذلك من مساوئ وأخطار، فقال صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة، إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء· والشارع عندما أوجب النية في الأعمال والإخلاص لله فيها، علم ما فيها من الفوائد العظيمة والخيرات العميقة، التي تعود على الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي· فالنية تحض المسلم على العمل في سبيل الخير والإخلاص فيه وإتقانه، لأن المسلم يعمل لله وحده، فيراقب الله في ذلك ويجعله أمامه في أي عمل ينوي القيام به، فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه، فإنها تبعده عن فعل الشر، والاقتراب منه، لأنه يراقب الله ويخافه، ويعلم أن الله مطلع عليه وعلى أفعاله، فالخوف من الله يردعه ويمنعه، إن النية تجعل المسلم يهدف من وراء عمله·· فتكون له حافزا على فعل الخير، فلا يقدم على عمل دون ما هدف، وإنما يهدف من وراء ذلك إلى إرضاء الله سبحانه وحده، فيفعل الخير ابتغاء مرضاة الله، ولو جلب عليه ذلك ما يكدر عيشه وينغص عليه حياته الدنيوية·· وكذلك تجعل المسلم سليم الصد والضمير، لا يحمل الحقد والحسد وسوء الظن، ولا يكن لأحد سوءا أو ينوي شرا· فإذا سلمت النية من السوء، سلمت الأعضاء جميعها من الإقدام على السوء والإثم، يقول عليه الصلاة والسلام: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب· "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعمله الله"، "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط"، "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"· وقد يؤجر المؤمن على النية إذا كانت خالصة دون أن يعمل، وثوابه كمن عمل، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إن بالمدينة أقواما، ما قطعنا واديا، ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة إلا شاركونا في ذلك وهم بالمدينة، فقيل له: كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: حبسهم العذر فشاركوا بحسن نية·