لا يخفى على أحد أنَّ هدي النبي صلى الله عليه وسلم شامل لحياة الناس وأن في اتباعه الفلاح والسؤدد وفي الاقتداء به النَّصر والتَّمكين وفي مخالفته الهزيمة والخسارة وفي تنكب شريعته الذُّلُّ والدَّمار، قال الله سبحانه وتعالى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم "وإن تطيعوه تهتدوا"، وقال "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيّ يوحى"، وقال صلى الله عليه وسلم "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، ومن أعظم ما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم، الحديث الذي رواه «البخاري» و«مسلم» عن «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، فعمدة العمل الإخلاص، وبالإخلاص تستقيم القلوب وتستقرُّ الأفئدة، وبه يعرف المرء طريق دينه صحيحا فيأتي البيوت من أبوابها، وبالإخلاص الصّادق مع الاتباع الصحيح يعرف المسلم ما عليه من واجبات وما يتعيّن عليه من حقوق وبه يردّ الأمور إلى نصابها ويؤدّيها ما تستحق دونما إفراط ولا تفريط، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها تقوم أصول فهم ديننا الحنيف، إذ النّيّة أساس الأعمال ونقطة البداية الصَّحيحة. قال الإمام «أبو عبيد» رحمه الله تعالى "ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث"، وقال غيره "من أراد أن يصنف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث"، فالواجب على كل مسلم أن يحسِّن نيته حتى يرى الأمور كلّها على حقيقتها دون أيِّ زيف أو بهرج، فإذا اطمأنَّ قلبه بذلك صار مسلماً حقّاً يوافق قلبه قالبه وظاهره باطنه، وهذا من أعظم مقاصد هذا الدّين ومن أهم ما بعث الله به النَّبيّين والمرسلين.