أنهى قادة دول الحلف الأطلسي أمس قمة طغى عليها الوضع في أفغانستان بحثوا خلالها إشكالية الخروج من هذا المستنقع الذي استعصى حله رغم المبالغ المالية الضخمة والترسانات الحربية التي خصصوها له. وقد كان الرئيس الأمريكي باراك اوباما نجم هذه القمة في ثاني خرجة له إلى الخارج بعد تسلمه مهامه الرئاسية ولكن نجمه أفل تحت وقع هذه الحرب التي لم تكشف كامل خباياها سبع سنوات بعد احتلال هذا البلد. وهو الرهان الذي اجتمع من اجله القادة الكبار في العالم لرفع هذا التحدي وهي رغبة عبر عنها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أكد انه "ليس من حقنا أن نفشل هذه المرة" بدعوى أن "هناك نلعب جزء من حريتنا في العالم". وقالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لدى افتتاح هذه القمة في مدينة ستراسبورغ الفرنسية أن أفغانستان هي "امتحان الحقيقة بالنسبة لنا ويتعين على كل دول الحلف أن لا تترك هذا البلد يتحول إلى معقل للإرهابيين". وجاءت تصريحات الثنائي ساركوزي وميركل ردا على الرئيس باراك اوباما الذي أكد ان بلاده لا يمكنها ان تبقى وحيدة في مواجهة طالبان وتنظيم القاعدة. ولكن هل ينجح هؤلاء في حسم المغامرة الأمريكية في أفغانستان لصالح حلف الناتو أم أنهم سيضطرون إلى إعلان فشلهم مكرهين؟ وهو الاحتمال الوارد في ظل المعطيات الميدانية في هذا البلد والتي ما انفكت تؤكد أن طالبان في الجارتين أفغانستان وباكستان أصبحتا رقما صعبا في معادلة لا تمتلك القوات الأمريكية والأطلسية كل خيوطها وهي التي استحال عليها طيلة سبع سنوات أن تحقق أي تقدم بل أنها فقدت هامش المناورة العسكرية لصالح طالبان. وهو الواقع الذي دفع بالرئيس الأمريكي إلى التأكيد انه لا يريد مجرد تصريحات بقدر ما هو في حاجة إلى أعمال ملموسة. وهي رسالة واضحة باتجاه مختلف الدول الأطلسية القديمة والمنظمة مؤخرا إلى اكبر حلف عسكري في العالم بأن يغدقوا عليه بالأموال ولكن أيضا بالرجال والأسلحة لمواجهة خطر طالبان المستفحل. ويسعى الرئيس الأمريكي ضمن هذه الدعوات إلى تحقيق خطته التي رسمها لنفسه خلال الحملة الانتخابية وأكد خلالها انه سيعمل على الخروج بكل الوسائل من المستنقع الأفغاني كما فعلها في العراق. وقد اضطر الرئيس الأمريكي ضمن هذه الخطة إلى إرسال أربعة آلاف جندي إضافي في انتظار إرسال سبعة عشر ألف عسكري إضافي الصيف القادم ولكنه لم يجد في المقابل استجابة أوروبية مماثلة مما جعله لا يتوان في مطالبة الدول الأوروبية إلى حذو حذوه لإنقاذه من تبعات سياسة الكل العسكري التي انتهجها سابقه جورج بوش الذي اعتقد مخطئا ان القوة ستحقق له الأمن في بلد لم يعرف الاستقرار منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي ولم يتمكن لا الجيش الأحمر السوفياتي ولا الاقتتال الطائفي من حسم الوضع لأحد من الفرقاء. ولم تكن خرجة الرئيس الأمريكي بريئة ولكنه فرضها رفض الدول الأوربية بالتضحية بأبنائهم في حرب قد لا يجنون منها شيئا وهو ما جعل حكوماتهم تقع تحت ضغوطات شعبية متزايدة لسحب قواتها من هذا البلد. ولكن الرئيس الأمريكي لعب على ورقة التهديد لحث نظرائه الأوروبيين على مزيد من الجهد العسكري لحسم الوضع هناك وقال أن أوروبا تبقى أكثر تهديدا من بلاده لأية عمليات إرهابية بحكم الموقع الجغرافي لأفغانستان من القارة الأوروبية. ويبدو أن لغة التخويف من إرهاب سكن قلوب القادة الأوروبيين وجعلوه ذريعة لإركاع دول العالم الأخرى لم يقنع الرأي العام الأوروبي الذي خرج الآلاف منهم في اعنف مسيرات احتجاجية ضد هذه القمة وبقناعة أن رؤوسائهم هم الذين يفتعلون الأزمات ويزرعون الرعب والقتل في حروب خاسرة ويريدون الآن الزج بأبنائهم فيها لتنفيذ استراتيجياتهم.