يحيي الجزائريون اليوم الذكرى 65 ليوم الطالب المخلّد لإضراب الطلبة يوم 19 ماي 1956، وهو التاريخ الذي قرّر فيه الشباب الجزائري المتعلم والمثقف الأخذ بزمام المبادرة وتقرير مصيره بيده والانخراط بقوة في العمل السياسي الثوري لتحرير البلاد ثم إعادة إعمارها وتشييدها. فبعد عام فقط على اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، برزت قناعة لدى قادة الثورة أن العمل المسلح الذي تمت مباشرته سنة 1954 كان بحاجة إلى نفس جديد وإطارات شابة لدعم خطوط المواجهة مع العدو خارج أرض المعركة، من خلال التصدي للحرب النفسية والمناورات السياسية والدبلوماسية التي باشرها المستعمر، فكان الاهتداء إلى ضرورة انخراط طلبة الجامعات وتلاميذ الثانويات والمتوسطات وحتى الزوايا في مسار ثوري جديد متعدد الأطراف والأوجه، هدفه إسهام الكفاءات الشابة في تسيير الثورة لتحرير البلاد والتكفل بعدها بمهمة البناء والتشييد، انطلاقا من رصيد معرفي عزز مؤسسات الدولة خلال السنوات الأولى التي أعقبت الاستقلال. ووفاء لذات المبدأ، تسعى الدولة حاليا، على إثر مختلف المحطات التي عاشتها البلاد، لاسيما الحراك الشعبي الأصيل الذي طالب قبل عامين بالتغيير الجذري وتسليم المشعل للشباب، إلى جعل الطلبة والطالبات "القاطرة للنهوض بالوطن في كل المجالات"، مثلما أكده رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة ذكرى يوم الطالب السنة الماضية. ويأتي إحياء الذكرى 65 ليوم الطالب هذه السنة، عشية انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية ليوم 12 جوان المقبل وهو موعد انتخابي هام اختير له شعار "التغيير"، ويعد بعد رئاسيات 2019 والاستفتاء على الدستور في نوفمبر 2020، من أبرز المحطات في مسار بناء "مؤسسات جديدة تحظى بالثقة والمصداقية"، وهو المسار الذي دعا رئيس الجمهورية الشباب إلى الانخراط فيه بقوة وأمر باتخاذ كافة الترتيبات لدعم وتشجيع مشاركتهم، تجسيدا لانتخابات "ديمقراطية تعبر عن التغيير الحقيقي". ولدى ترؤسه مطلع السنة الجارية، اجتماعا لمجلس الوزراء خصص لتقييم الحصيلة السنوية 2020 لمختلف القطاعات الوزارية، وقف رئيس الجمهورية مطوّلا عند قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، حيث أصر على "ضرورة رفع وتيرة التعاون بين الجامعات الوطنية ونظيراتها الأجنبية عبر تبني مقاربة منفتحة تمكن من تحويل الجامعة إلى قاطرة حقيقية للاقتصاد الوطني من خلال الابتكار والبحث التطبيقي، مع تجسيد استقلالية كل جامعة والتوجه نحو الشراكة المثمرة". وتكريسا لأهمية العلاقة بين التكوين العلمي ومسعى النهوض بالوطن في كافة المجالات، تزامن الاحتفاء بذكرى يوم الطالب خلال السنة الماضية مع إطلاق القناة الموضوعاتية "المعرفة"، وذلك لما يكتسيه هذا التاريخ من دلالة رمزية ويشكل مرحلة حاسمة في تاريخ الثورة التحريرية المجيدة، بالتفاف جميع شرائح المجتمع حولها وخاصة الطلبة والثانويين الذين انخرطوا داخل وخارج الوطن آنذاك في مسيرة الكفاح والنضال، مضحين بمستقبلهم الدراسي وطموحاتهم العلمية ومحوّلين أقلامهم إلى مدافع في وجه الاستعمار الغاشم. إحباط استراتيجية المستعمر لعزل الشعب عن نخبته وجيشه وكان الطلبة والتلاميذ الجزائريون من الأوائل الذين التحقوا بصفوف الثورة التحريرية، فبعد تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جويلية 1955 أي بعد 8 أشهر فقط من اندلاع الثورة، أعلن الطلبة عن إضرابهم المفتوح في 19 ماي 1956 ثم التحاقهم الرسمي بصفوف جيش التحرير الوطني. ووجه قادة هذه المنظمة نداء بالإضراب العام لزملائهم في جامعة الجزائر وفي جامعات أخرى في فرنسا وفي البلدان العربية وكذا لتلاميذ الثانويات المتوسطات، وكان عدد الطلبة الجزائريين آنذاك يقارب 684 طالب مسجل في جامعة الجزائر من بينهم 67 طالبة، من مجموع نحو 5200 طالب مسجلين في كل الفروع. واستجاب الجامعيون والمثقفون الجزائريون بالمئات لنداء الواجب لتلتحق بهم حشود من طلبة الثانويات والمتوسطات بالجبال إلى جانب جنود جيش التحرير الوطني. وكان دخولهم غمار الكفاح قد غيّر المعطيات بشهادة عديد الفاعلين في الثورة ومؤرخي حرب التحرير. ومكن دعم الحركة الطلابية الجزائرية ومعها المفكرين الجزائريين لجيش التحرير الوطني من إحباط الاستراتيجية الاستعمارية الهادفة إلى عزل الشعب عن نخبته المثقفة وعن جيشه. وبنى الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الذي زوّد جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني بخيرة إطاراته في عدة ميادين كالصحة والاتصالات والإدارة والدبلوماسية والإعلام، حركته الطلابية بإحكام وحنكة، على أساس الحركة الوطنية وذلك بحضوره المكثف في جميع المستويات السياسية والعسكرية للثورة. وكان أول رد فعل للسلطات الاستعمارية هو حلّ الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جانفي 1958 وتوقيف الطلبة، وتعذيبهم وسجنهم. ومن أهم نتائج نضال المثقفين والطلبة الجزائريين خلال السنوات الأولى للثورة تدويل القضية الجزائرية، حيث أن مكاتب الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين قدر عددها آنذاك ب18 مكتبا كانت موزعة عبر 4 قارات، وكرّس الطلبة فيها عملهم وجهودهم لنشر المعلومات حول القضية الجزائرية ومساعدة اللاجئين.. كما تحصّلوا على منح دراسية لفائدة الطلبة الجزائريين وكانوا يشاركون في جمع المساعدات وتوضيح دوافع كفاح الشعب الجزائري للرأي العام في البلدان الغربية. واكتسب هؤلاء الشباب الذين كان معظمهم ينحدرون من المدن وغير معتادين على قساوة العيش في الجبال مهارات جديدة في قطاعات عدة منها الصحة والاتصالات العامة مع إنشاء إذاعة صوت الجزائر الحرة عام 1956. وحسب شهادة سابقة للمسؤول السابق بوزارة التسليح والاتصالات العامة، دحو ولد قابلية، فقد تم خلال الثورة التحريرية تكوين 900 عون اتصال و44 طيارا و7 مختصين في الرادار وعشرات ضباط البحرية والمشاة الذين سمح تأطيرهم بسد الفراغ في الكفاءات غداة استرجاع البلاد لسيادتها الوطنية. وتضمنت الكلمات التي ألهبت قلوب الطلبة ودفعت بهم إلى نكران الذات والاستجابة لنداء الوطن والتي حرّرها المجاهد لمين خان، المعاني السامية للتضحية وتغليب المصلحة العليا للبلاد وهي المعاني التي تبقى صالحة لكل زمان. ومما جاء في بيان إضراب 19 ماي 1956 "إن تحصلنا على شهادة لا يجعل منا جثثا أفضل.. وسلبيتنا إزاء الحرب تجعلنا متواطئين مع الاتهامات الحقيرة التي توجه لجيشنا الوطني الباسل، إن السكينة المصطنعة التي وضعنا أنفسنا فيها لم تعد ترضي ضمائرنا، يجب مغادرة مقاعد الدراسة للالتحاق بالجبال". وكتب محرر البيان "إن الواجب ينادينا إلى القيام بمهمات تفرضها الظروف علينا فرضا وتتسم بالسمو والمجد".