مع ظهور حوادث العمل والأمراض المهنية و تفاقمها، أصبح البحث عن سبل تحقيق الأمن المهني مطلبا ملحا في عالم الشغل، فجاء المعهد الوطني للوقاية من الأخطار المهنية ليعزز هذا المسعى منذ 05 أكتوبر 2004 كمشروع جديد في مجال تحسين شروط العمل وإرساء ثقافة الوقاية لدى فئة العمال والمستخدمين، سعيا نحو ضمان الأمن والسلامة في الأوساط المهنية. وفي هذا الخصوص التقت "المساء" مديرة مصلحة التكوين بالمعهد الوطني للوقاية من الأخطار المهنية السيدة فريال بوركايب، فتحدثت معها عن تجربة هذا الأخير الذي سيشهد تدشين أول مخبر لعلم السموم قريبا. المساء: هل لك أن تقدمي لنا لمحة عن نشأة المعهد؟ مديرة التكوين : هو مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري أنشئت بموجب المرسوم التنفيذي رقم 253 / 2000 المؤرخ في 23 أوت 2000، وتم تدشينه رسميا من طرف وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي في أكتوبر من سنة2004 . - نود أن نعرف ماذا تعني الوقاية من الأخطار المهنية بالضبط؟ * يعني ذلك أن المعهد الوطني للوقاية من الأخطار المهنية يتولى مهام الكشف عن الأخطار والنقائص في تدابير الوقاية من حوادث العمل والأمراض المهنية، والمساهمة في دراسة أسبابها عن طريق إجراء تحقيقات وتحاليل علمية. فضلا عن توزيع كافة المعلومات والوثائق من أجل ترقية الوقاية الصحية والأمن، والقيام بحملات تحسيسية في عالم الشغل، مما يعني أن عمل المعهد ميداني بالدرجة الأولى يقوم أساسا على تقديم نصائح ومساعدة تقنية لفائدة المؤسسات العمومية والخاصة، إضافة إلى تكوين العمال حول طرق الوقاية من المخاطر الناجمة عن الوسط المهني. - إذن ماهي الخدمة التي يقدمها المعهد لعالم الشغل؟ * يهدف المعهد إلى تقليل نسبة حوادث العمل ونسبة الأمراض المهنية، مما يخول تحسين مردودية مؤسسات العمل والتقليل من نفقات العلاج والتعويض التي يتحملها الصندوق الوطني للتأمين والضمان الاجتماعي، وكذا تعريف العمال بحقهم في التكوين وفي الحصول على تجهيزات الحماية واستشارة طبيب العمل. - على ذكر التكوين، هل يتم بناء على اختياركم أم على طلبات مؤسسات العمل؟ * يقوم الصندوق الوطني للتأمين والضمان الاجتماعي بموجب عقد شراكة مع المعهد على توجيهنا نحو بعض القطاعات، وبالموازاة مع ذلك نبادر نحن بالتوجه نحو بعض المؤسسات كإستراتيجية أساسية للتعريف بوجود المعهد، لكن هذا لا ينفي أن بعض المؤسسات هي التي تقصدنا من أجل طلب دورات تكوينية لفائدة عمالها. - ماذا عن محتوى برنامج التكوين؟ * بناء على تعليمات المرسوم التنفيذي الذي يقتضي إجبارية تكوين العمال حول الأخطار المهنية، سطر المعهد في هذا الإطار برنامجا خاصا يتوافق ومحتوى المرسوم الذي يشترط أن تتراوح مدة التكوين مابين 5 أيام و21 يوما، غير أن هذا لا يمنع من إلقاء دروس تكميلية لترقية وتحسين شروط الوقاية الصحية والأمن في الوسط المهني، وتجديد معارف العمال قصد تنمية الشعور بأهمية الأمن المهني، لاسيما في القطاعات ذات الدرجة العالية من الأخطار. - كم بلغ عدد المؤسسات التي استفادت من التكوين في مجال الوقاية؟ * يعمل المعهد منذ نشأته على إجراء دورات تكوينية في 60 مؤسسة عمل سنويا، مما يسمح لنا بتكوين حوالي2000 عامل كل سنة. - وفقا لخبرة المعهد ماهي أهم الأخطار والأمراض المهنية التي تتربص بالعمال؟ * الأخطار عديدة ومتنوعة لا يمكن حصرها في إطار واحد، لأنها تختلف باختلاف فروع وقطاعات العمل، حيث تتباين مابين البدنية والكيماوية، والمسجل هو أن أكثر الأمراض شيوعا في الأوساط المهنية التي تعتمد على العمل اليدوي تتعلق بمشاكل الظهر. - هل يمكن للمعهد اتخاذ إجراءات بخصوص مؤسسات العمل التي تمتنع عن الاستجابة لحق العمال في الاستفادة من تكوينات في مجال الوقاية؟ * في الواقع هذا ليس من صلاحيات المعهد، فنحن نقوم بدورات تكوينية وفق ما تقتضيه النصوص القانونية التي تبرز حقوق وواجبات العمل، إلا أن الوقاية تبقى مهمة مفتشيات العمل التي يمكنها اتخاذ إجراءات في حالة اكتشافها لأمر عدم تطبيق بعض مؤسسات العمل لهذا النص القانوني الضروري لدرء الأخطار المهنية. - ما الذي يترجمه اللاأمن المهني.. غياب الإمكانيات أو الافتقار إلى ثقافة الوقاية؟ * التجربة أظهرت أن المشكل لا يتعلق بالإمكانيات، فالتجهيزات اللازمة لضمان الحماية متوفرة على مستوى مؤسسات العمل، ليبقى إرساء ثقافة الوقاية من الأخطار المهنية مرهونا بتغيير ذهنية العمال الذين لم يعتادوا بعد على استعمالها.. الملاحظ هو أن بعض العمال - مثلا - يعزفون عن استعمال قبعة الحماية بحجة أنها ثقيلة أو تزيد الشعور بالحرارة، جاهلين الآثار السلبية الوخيمة التي قد تترتب عن ذلك، كالصمم أو التعرض لإصابة قاتلة على مستوى الرأس، فعلى العمال أن يستوعبوا حقيقة أن هذه الأخطار البالغة يمكن تجنبها من خلال استخدام تجهيزات بسيطة. - كم من الوقت يلزم لنشر ثقافة الوقاية من الأخطار المهنية؟ * في اعتقادي الوقاية استثمار على المدى الطويل، والمعهد يسير بخطى متواصلة نحو هذا الهدف المراد تجسيده على المستوى الوطني. - فيما يخص المؤسسات التي استفادت من تكوينات تحت إشراف المعهد، هل تتجه فعلا نحو تحسين شروط العمل؟ * فعلا لمسنا تحسنا ملحوظا على مستوى المؤسسات التي تعاملنا معها في إطار التكوين، تعكسه نتائج إيجابية تمثلت في انخفاض نسبة حوادث العمل بنسبة ملحوظة، إضافة إلى تغير ذهنية العمال بصفة إيجابية بعد تكوينهم. - ماذا عن آفاق المعهد؟ * بعدما تم إنشاء ملحقتين تابعتين للمعهد الوطني للوقاية من الأخطار المهنية في كل من وهران وعنابة، سيتم إنجاز ملحقة أخرى على الجنوب قريبا، كما سيتم تدشين مخبر علم السموم بمقر المعهد قريبا، ليكون بذلك المخبر الأول في الجزائر. - في نهاية اللقاء ماذا تقول السيدة بوركايب للعمال؟ * على كافة العمال أن يحرصوا على اكتساب الوعي بخصوص الأخطار المهنية لتترسخ لديهم ثقافة الوقاية التي من شأنها أن تضمن الصحة والأمن في الوسط المهني، كما يتعين على مختلف المؤسسات أن تقترب من المعهد الوطني للوقاية من الأخطار للاستفادة من التكوين في هذا المجال.