إذا كانت عملية ترميم متحف باردو، تتم بطريقة حسنة حسب المسؤولين عنها فإنه بالمقابل ما يزال مشكل نقص فضاءات المعلم التاريخي المصنف يعرقل سيره ويحد من نشاطاته، ولهذا فإن توسيع المتحف أصبح أكثر من ضرورة ليلعب دوره على أحسن وجه. وفي هذا السياق، طلبت مديرة متحف باردو، الآنسة فطيمة عزوق، عبر جريدة "المساء"، من وزارة الثقافة السماح لها ببناء إدارة جديدة تضم المرافق الضرورية تمكن المتحف من لعب دور أكثر نجاعة، مضيفة أنه في جعبة المتحف أكثر من مشروع مثل تنظيم معارض تعتمد على السينوغرافية "عرض تحف ضمن سينوغرافية (قصة محبوكة) تعتمد طبعا على الصور والدينامكية". ودائما في نفس الصدد، أكد رئيس دائرة التنشيط والتوثيق بالمتحف، السيد نعيم طويل، ل"المساء" أن افتقاد باردو لفضاءات جديدة يمثل كابوسا بالنسبة إليهم، متسائلا: "كيف يمكن أن يلعب المتحف دوره وأن ينظم نشاطات مختلفة وهو يفتقد الفضاءات اللازمة لذلك مثل قاعة للمحاضرات؟، فنحن ننظم المحاضرات مثلا في مكتبتنا وهي لا تكفي للجمهور والمختصين الذين يودون الحضور، وهو ما حصل مؤخرا في محاضرة الأستاذ عمر حاشي حول حارات الفحص حيث مكث الكثيرون خارج المكتبة لأنه لم يكن هناك مكان شاغر داخلها". ويضيف نعيم أن باردو يفتقد أيضا إلى مخبر بأتم معنى الكلمة وفضاء لحفظ جميع التحف ويستطرد في قوله: "إذا واصلنا على هذه الوتيرة فلن يستطيع المتحف تشغيل أيّ كان، لهذا نحن ننتظر الموافقة من طرف الوزيرة لكي نبني إدارة جديدة، وإذا تحقق ذلك سنحول إدارتنا القديمة إلى فضاء لتنظيم معارض مؤقتة، ففي الوقت الحالي كلما نظمنا معرضا نفرغ قاعة من تحفها ومن ثم نعيدها بعد انتهاء المعرض وهو ما يشكل خطرا على سلامة التحف". تخصيص كل قاعة لتحف تعود إلى نفس الحقبة أوتنتمي لنفس المجموعة، هو حلم نعيم الذي لا يتوقف هنا بل يستمر إلى تأسيس إدارة جديدة وكذا وضع الإدارة القديمة التي تقع في مرتفع يعيق مشاهدة القصر، وهذا في نفس مستوى شقيّ المتحف سواء الذي يعود إلى الحقبة العثمانية (القصر) أوالذي يعود إلى الحقبة الكولونية (المبنى الذي يضم التحف ما قبل التاريخ)، ليكون المتحف بكل فروعه على نفس الارتفاع.
عملية ترميم المتحف مستمرة بالمقابل تتواصل بمتحف باردو عملية الترميم التي انطلقت منذ ثلاث سنوات حيث وصلت نسبة الأشغال بها إلى 60 بالمائة بميزانية تتراوح لحد الآن ما بين 6 و8 ملايير سنتيم، وتسري الأشغال في المحطة الثالثة للمتحف والمتعلقة بفناء القصر ولم تبق إلا مرحلة رابعة تمس القسم المضاف إلى القصر والذي تم بناؤه في الفترة الكولونية بالإضافة إلى الحديقة. وانتهت المرحلة الأولى من الترميم والتي مست كل ما يتعلق بعملية تصريف المياه أي تحصين القصر من المياه سواء الباطنية منها أوالتي يكون مصدرها الأمطار، أما المرحلة الثانية فقد تعلقت ببناية القصر في حد ذاته، لتأتي المرحلة الثالثة وهى المرحلة التي تجرى بها الأشغال في الوقت الحالي وتختص بفناء القصر وتبقى المرحلة الرابعة التي تمس الحديقة والبناية التي أضافها الفرنسي جوري سنة 1879 بغرض بناء إسطبلات وحظائر وهي الآن كما ذكرنا سابقا تضم التحف التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ. وعن اختيار ترميم المعلم عبر مراحل وتخصيص ميزانية مستقلة لكل مرحلة، يقول نعيم أن ذلك راجع إلى أهمية أن يبقى جزء من المتحف مفتوحا أمام الجمهور، مضيفا أن عملية الترميم تدخل في سياق قانون 04 -98 الذي يهتم بترميم المعالم الأثرية المصنفة. وتبقى عملية الترميم في غاية الحساسية إذ أنها تتعلق بمعلم أثري يعود إلى قرون من الزمن، كما أنه عرف تغيرات كثيرة وهذا منذ نهاية القرن السابع عشر، وحتى يوم تحوله إلى متحف سنة 1926، ويستأنف المتحدث قوله: "أحدثت العديد من التغييرات على المتحف في عملية الترميم والتي تدعم دور وسيرورة المتحف إذ أغلقت بعض المداخل وفتحت مداخل أخرى ولكن لم يتم هذا إلا بدراسة من طرف الخبراء، كما اكتشف دائما من خلال عملية الترميم أن مسبح فناء القصر هو أعمق مما عليه قبل الترميم فتم إعادة عمقه الأصلي، بالمقابل نفكر في وضع الملكة تينهنان في قصر المتحف بدلا من البناية التي أضافها جوري والتي تحتضن جثمان الملكة". من جهتها، أكدت المهندسة بن تاليس من مكتب الدراسات "حماق" المكلف بعملية ترميم متحف باردو ل"المساء" أن ترميم المعلم كان وما يزال جزائريا محضا ويمثل ورشة تكوين لكل من يعمل في حقل ترميم المعلم تحت مراقبة المكتب طبعا، مضيفة أنه تم الاعتماد بشكل قاطع على المواد الطبيعية مثل الآجر المسحوق، الرمل والجير وحتى البيض الذي تدهن به الجدران لكي تصبح غير قابلة لامتصاص المياه، حتى البلاط الخزفي المكسور وغير قابل للتصليح فقد تم تعويضه ببلاط خزفي مصنوع بطريقة يدوية. واعتبرت المهندسة أن استعمال الاسمنت في تصليح بعض أركان ومواد القصر خطأ كبير ارتكب في حق هذا المعلم الكبير، وسبّب صعوبات كبيرة في عملية الترميم، وأعطت مثالا عن القطع الخزفية التي كان من الصعب نزعها من الجدران في عملية الترميم لأنه تم إلصاقها بالاسمنت، ليتم إعادتها بالجير، المادة الطبيعية المناسبة لهذه العملية وليس الاسمنت. وواصلت المهندسة حديثها بالقول "أن أهم مشكل واجه مكتب الدراسات في هذه العلمية هو"الماء" إذ يعتبر الماء العدو اللدود لكل معلم تاريخي لما يسببه من تآكل الجدران وبالتالي تفتتها، فكان من اللازم تصريف المياه بطريقة علمية ولا تضر المعلم، مستطردة في قولها أن السقيفة مثلا كانت مملوءة بالمياه وكان من الصعب عزل المياه وتطهيرها ولكننا تمكنا من ذلك والحمد لله". وعن ظروف إجراء الترميم تقول المهندسة: "عملية الترميم لم تكن سهلة بالمرة وكان يلزمنا الكثير من الصبر والدقة والاستعانة بالمختصين في العديد من المجالات وكذا الوقوف على كل نقطة وتفصيل في كل ركن وحجرة وذرة من المعلم، علاوة على مراقبة عمال المؤسسات المشاركة في العملية والتنسيق بينهم، أعتقد أننا استطعنا أن نحقق ما أنجزناه بالتنسيق والتفاهم بين مكتبنا ومهندسة المتحف ومديرته وكل إطارات باردو". إذا كان ترميم باردو قد انطلق منذ ثلاث سنوات ويتواصل في أقصى تقدير إلى غاية 2011، حسب تصريح بن تاليس، فإن الدراسات والبيانات التي تمس باردو قد تم الانطلاق فيها منذ سنة 2003، لتنطلق عملية الترميم منذ ثلاث سنوات وتتوقف المهندسة عند هذه النقطة وتقول: "اهتممنا بكل التفاصيل حتى أنه خلال بحثنا على مستوى القصر اكتشفنا سقفا به ألوانا معينة فقمنا بإحضار فنان أعاد رسم نفس الألوان، كما قمنا أيضا بصقل الجدران وتدعيم القصر وكشط البلاط وهنا أريد أن أؤكد أننا حافظنا في مجمل الأحيان على الطبيعة الأصلية للقصر، ماعدا بعض الممرات والمداخل التي لا جدوى منها، إلا أننا في الإجمال استغلينا تقريبا كل فضاءات القصر". للإشارة سينظم في القريب العاجل معرض حول المقتنيات الجديدةلباردو خلا سنتيّ 2007 -2008 وهذا بالبناية الإضافية للقصر، كما ستنظم معارض من نوع جديد تهتم بالسينوغرافية وهذا يتطلب الاستعانة بخبراء، أي كل تحفة تكون بقربها صورة تعبر عنها حيث أصبحت للصورة أهمية كبيرة في عالمنا المعاصر.