دخلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أمس، يومها الرابع وسط ترقب لما ستسفر عنه المفاوضات التي أعلن عن إجرائها بين موسكو وكييف على حدود دولة بيلاروسيا في مسعى جديد، لنزع فتيل حرب بدأت تتسع رقعتها وتنذر بأن القادم قد يكون أسوأ بعد أن وضعت روسيا قوات الردع النووي في حالة تأهب قتالي واستمرار تزويد الغرب للجيش الأوكراني بالسلاح والعتاد العسكري المتطوّر. وأعلنت الرئاسة الأوكرانية، أمس، أنها قبلت الدخول في مفاوضات مع الطرف الروسي في منطقة حدودية مع دولة بيلاروسيا بعدما كانت رفضت التفاوض في هذه الدولة التي اعتبرها الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، بأنها شنّت أعمالا عدائية ضد بلاده. والمفارقة أن الإعلان عن هذه تنظيم هذه المفاوضات تزامن مع أوامر أصدرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بوضع قوات الردع النووي لبلاده في حالة تأهب قتالي، ضمن خطوة وصفها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، بأنها مؤشر آخر على خطورة الموقف واعتبرتها الولاياتالمتحدة بأنها "تصعيد غير مقبول". وهو ما يطرح التساؤل حول ما إذا كانت المفاوضات المقترحة، خيارا ممكن التجسيد في ظل الوضع الميداني السائد على اعتبار أن كل مفاوضات تحت دوي المدفعية وأزيز الطائرات يخدم بالضرورة الطرف المسيطر على أرض المعركة، بما يعني أن روسيا ستفرض منطقها على الأوكرانيين. ثم هل سيقبل الغرب بهذه الصيغة من المفاوضات وهو الذي شجع على اندلاع هذه الحرب بالوكالة ضد روسيا ضمن حسابات جيو استراتيجية ذات أبعاد عالمية، حيث عمد إلى مدّ الجيش الأوكراني بأسلحة وعتاد عسكري متطوّر لإدامة عمر المواجهات وإنهاك القوات الروسية ضمن حرب استنزاف قد تطول لعدة شهور وإحداث هزات داخل روسيا قد تصل إلى زعزعة نظرة الروس إلى رئيسهم الذي يحاول إعادة بناء الامبراطورية الروسية. وهي كلها أسئلة تطرح بقوة وقد تؤخر حسم القوات الروسية للموقف على أرض الميدان، ما وضعها في موقف حرج قد يجعل الحرب تطول في سيناريو حذرت منه وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، التي توقعت استمرار الحرب في أوكرانيا لعدة سنوات بسبب ما تمتلكه روسيا من "قوات عسكرية". وذهب المستشار الألماني، أولف شولتز، إلى القول من جهته أن "العالم دخل مرحلة جديدة مع غزو روسيالأوكرانيا" بقناعة أن الأوكرانيين لا يدافعون عن وطنهم فقط ولكنهم يحاربون من أجل الحرية والديمقراطية والقيم التي نشاركهم فيها. وفي نفس الوقت الذي أكد فيه المستشار الألماني، أن الغرب لا يرفض التفاوض مع روسيا حتى في مثل هذا "الظرف" وأنه "من واجب الدبلوماسية ابقاء قنوات الحوار مفتوحة"، إلا أنه توعد بفرض حزمة عقوبات قاسية إضافية على روسيا، تستهدف بدرجة أولى إنهاك الاقتصاد الروسي وخنقه ماليا وتجاريا وغلق الأجواء أمام طيرانه ضمن عقوبة شرعت عدة دول أوروبية أمس في فرضها تباعا. كما أن ألمانيا وبعد تحفظها على خيار غلق نظام "سويفت" المصرفي للتعاملات البنكية الدولية في وجه روسيا، فقد وافقت على فرض مثل هذه العقوبة لعزل روسيا عن النظام المالي العالمي بكل ما سيحمله ذلك من تداعيات وخيمة على الجانب الروسي وحتى الألماني. فهل ستتحمل موسكو إطالة الحرب وسط كل الضغوط الدولية وحتى الداخلية المفروضة عليها في ظل تعالي أصوات من داخل روسيا نفسها رافضة لخيار الحرب ومطالبة بسحب القوات الروسية من جارتها الغربية في ظل مخاوف من احتمال تحوّل الوضع إلى مستنقع عسكري للقوات الروسية في وقت كانت موسكو تراهن على "عملية جراحية" حاسمة في أقصر مدة لفرض الأمر الواقع على الرئيس الأوكراني.