تشير أرقام أخصائيي الأمراض الصدرية في الجزائر، إلى أن نسبة الإصابة بالسرطان جراء التدخين في ارتفاع مستمر، والسبب تضاعف عدد المدخنين رغم كل الحملات التوعوية التحسيسية المنظمة بين الفترة والأخرى، كما تكشف الأرقام أن 90 بالمائة من سرطان الرئة والحنجرة سببها التدخين الذي يتسبب في وفاة 15 ألف جزائري سنويا. وأشار البروفيسور سليم نافتي، المختص في الأمراض التنفّسية بمستشفى مصطفى باشا ورئيس الجمعية الجزائرية لأمراض التنفس والسُل، خلال مُداخلة ألقاها مؤخرا ضمن فعاليّات يوم تكويني حول التدخين بالجزائر العاصمة، أن هذه الآفة التي تصيب مختلف الفئات العمرية وصلت إلى أبعاد خطيرة للغاية، حيث تُشير الإحصاءات الرسميّة الأخيرة، إلى تسجيل مُدخن واحد من بين كل شخصين، بنسبة 44%من الذكور، الذين يتجاوز سنّهم 15 سنة، ومُدخنة من بين عشر نساء بنسبة 9% من الإناث لنفس المرحلة العُمرية. وفي دراسة سابقة قامت بها الجمعيّة على عينة من تلاميذ مدارس العاصمة تُمثل المراحل التعليميّة الثلاث، كانت النتيجة أن 05 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية يتعاطون التبغ، و 10 % في المرحلة المتوسّطة و 20 % في المرحلة الثانويّة! وتظهر ذات الإحصائية أن المراهقين يشكلون نسبة 28 بالمائة، أي أن مراهق واحدا من بين كل ثلاثة يدخن، وهو معدل مقلق لفئة أقل من 17 عاما. كما أن الأمهات الحاملات المدخنات يتسببن في إصابة 8 بالمائة من مواليدهن بأمراض تنفسية. ويجمع أساتذة علم الاجتماع، على أن أولئك المراهقين يتعاطون التبغ بقدر كبير من الحرية، غير آبهين بالمحظورات والمحاذير والعواقب، فالسجائر رائجة بشكل كبير بين المتمدرسين وسط استقالة أبوية ولا مبالاة أسرية. أما في الوسط الجامعي، فان إحصائيات سبر آراء أنجزته الدكتورة بولعراس المكلفة بملف الصحة الجامعية بالقطاع الصحي لسيدي أمحمد في 2004، تشير إلى أن 22 % من الطالبات الجامعيات يدخنن وان هذه النسبة في ارتفاع. وبحسب المستجوبات فإن التحرر هو الدافع الأول وراء إمساكهن للسيجارة، في الوقت الذي يرى 61 % من الطلبة المدخنين، أن التباهي بالرجولة هو الذي حملهم على التدخين لأول مرة. ويتراوح سن تعاطي أول سيجارة بين 13 و18 سنة. كما أن 60 % من المستجوبين أكدوا أن كلفة علب السجائر تسبب لهم عجزا متواصلا في الميزانية. وأشارت نسبة 63 % من العينة إلى عدم إلمامها بالمخاطر الصحية والاجتماعية الوخيمة التي يسببها التدخين، رغم الحملات التحسيسية الكثيرة التي تقام بين الفترة والأخرى، ما يحمل القطاعات العاملة في الحقل على تكثيف عملها من اجل الوصول إلى أهدافها المتوخاة، والتي تنحصر في التقليص قدر الإمكان من عدد الذين قد تستهويهم فكرة تجريب متعة التدخين، إلى جانب إقناع المدخنين بالتوقف عن هذه العادة السيئة التي يرتبط بها 25 مرضا على رأسها الأورام السرطانية بشتى أنواعها. كما بينت دراسات أخرى أن حوالي 30 % من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و 55 سنة، يُعانون من أمراض تنفسيّة، فيما ترتفع النسبة إلى 60 % عند الفئة العمريّة التي تتجاوز 55 سنة. وتتسبب ألوان التبغ في موت 15 ألف شخص بينهم 95 بالمائة رجال. كما أنّ التعاطي المكثف للسجائر يتسبب في 25 مرضا على رأسها سرطان الرئة والحنجرة، إضافة إلى أمراض أخرى تصيب الجسم، منها التهاب شبكية العين وشيخوخة البشرة وفقدان حاسة السمع وهشاشة العظام وتسوس الأسنان وانسداد القصبات الهوائية وأمراض القلب وقرحة المعدة. في الوقت الذي يعترف 60 بالمائة من المدخنين أن السجائر أحدثت اختلالات في أوضاعهم الصحية وميزانياتهم. ومما لا شك فيه، أن التدخين يبقى السبب الرئيسي في الإصابة بسرطان الرئة وسرطان الحنجرة عند الرجال بشكل خاص، بحيث تشير أرقام دراسة طبية جزائرية حديثة إلى أن 17 ألف جزائري مصابون بسرطان الرئة، منهم 4 آلاف شخص يموتون كل عام بسبب التدخين، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الرئة بما يزيد عن 15 ألف حالة في الجزائر كل عام.. بينما يتوفى سنويا ما بين 3 إلى 5 آلاف جزائري بسبب سرطان الشرايين الرئوية، 15 بالمائة منهم يموتون بعد اقل من 5 سنوات من إصابتهم بالمرض. أما سرطان الحنجرة فيصل معدل الإصابة به إلى حوالي 5 بالمائة من مجموع السرطانات العامة التي يصل معدلها إلى 300 ألف حالة سرطانية جديدة سنويا بالجزائر. من جهة أخرى، يشير البروفسور نافتي، إلى أن 500 من بين 800 شخص يتخلون سنويا عن التدخين بشكل نهائي، وذلك بفضل الدعم الذي تقدمه مصلحة مساعدة المدخنين التي يشرف عليها بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، الوحيدة على المستوى الوطني، منبها إلى ضرورة تجسيد هذه الفكرة في كل مصالح طب أمراض الصدر بكل مستشفيات الوطن، لتقديم الدعم لفئة المدخنين ومساعدتهم على الإقلاع عن هذه العادة السلبية، وبالتالي تخفيض نفقات الصحة العمومية. ... كل هذه الأرقام والحقائق حول آفة التدخين التي تلحق بمدمنها العلل والأمراض، إلا أننا عبثا نكرر ذكر هذه المخاطر، فالملاحظ يوميا في الشارع والمدارس والجامعات والمواصلات، أن السجائر حاليا أصبحت تقليعة.. موضة يزداد التعلق بها، وكأن المدخن لا يدرك أنه يشكل خطرا على صحة من حوله، لأننا بتنا نحاول إفهام هذا المدخن، على الأقل، ضرورة احترام محيطه من غير المدخنين، كوننا لم نفلح في إقناعه بالتخلي عن سم يلحق ببدنه وأسقام تتوطن بجسده.. واعلم أخي المدخن أن حياتك من صنع يدك وأنها لا تكون إلا بتغليب العقل وجعله يكون قوة فاعلة يهديك سواء السبيل، وان الإنسان العاقل يسهر على إصلاح نفسه، لا أن يتبع الخطأ بحجة أن الأكثرية تسير في هذا الاتجاه.. والجاهل هو من لا يملك التفكير الصائب للحكم على الأمور فتهون عليه نفسه وصحته...