تتجه الأنظار مساء اليوم الى ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة، لمواكبة القمة الملتهبة التي تجمع بين المنتخبين الجزائري والمصري، لحساب اليوم الثاني من تصفيات الدور الثالث من التأهيليات المشتركة لكأس العالم بجنوب إفريقيا وكأس افريقيا بأنغولا لكرة القدم المقررتين في 2010. المباراة بلغة الحسابات السائدة في المعسكرين لا تقبل القسمة، طالما ان كل منتخب يريد حصادها كاملا لتأمين حظوظه في اقتطاع تأشيرة التأهل، وطالما ان منطق نحن الاقوى ونحن الاجدر بالفوز والتمثيل هو اللغة المشتركة بين المنتخبين.. والأكيد ان الفائز بها اليوم سيعزز حظوظه، بل سيقطع خطوة جد هامة على صعيد مجموعة تبدو ايضا بلغة الارقام معقدة في وجود منتخب زامبيا، الرقم الصعب الذي بإمكانه خلط الاوراق، مما يستوجب اخذه بعين الاعتبار، خاصة وانه فرض التعادل بالقاهرة على حساب المنتخب منتخب الفراعنة و اخرجه من قوقعته بعد ان ظن انه الاقوى. الأرض تخدم صاحبها ويبدو ان المنتخب الجزائري الذي يملك الارض والجمهور ويملك ايضا ترسانة من اللاعبين المحترفين ويعرف منافسه حق المعرفة، سيدخل المباراة بزاد معنوي كبير، لكن وبعيدا عن كل غرور، يدرك ان المهمة صعبة للغاية وانجازها على اكمل وجه، يتطلب الجدية في التعامل وبواقعية مع خصم مجروح اصيب في كبريائه من اول مواجهة امام زامبيا وجاء الى الجزائر لتضميد جراحه لا تعميقها ولا شك ان رابح سعدان يدرك ذلك جيدا وهو الذي نبه لاعبيه إلى تفادي الوقوع في فخ الغرور وحثهم على لعب المباراة حتى آخر لحظة من اجل الفوز ولا شيء غير الفوز، بل وحثهم على عدم إتاحة الفرصة للخصم حتى لمجرد التفكير في إثارة اعصابهم، لأن المصريين كما يقال بارعون في اللعب بالاعصاب. ويؤكد المدرب رابح سعدان ان لاعبينا على استعداد بسيكولوجي جيد، فهم تدربوا بعيدا عن الاجواء الضاغطة في جنوبفرنسا وتصرفوا كمحترفين في التعامل مع هذا الحدث الهام وان الكثير منهم لعبوا امام "الفراعنة" و فازوا عليهم، و ذلك في إشارة الى آخر مواجهة جمعت بين الجزائر ومصر في نهائيات كأس افريقيا للامم 2004 بتونس، حيث فاز المنتخب الجزائري بهدفين لواحد. الأرشيف يعطي الأفضلية للجزائر أرشيف اللقاءات بين الجزائر ومصر وانطلاقا من مواجهة سوسة 2004، يعطي الافضلية للمنتخب الجزائري، وربما هذا ما يزعج الاشقاء المصريين الذين يقولون دوما نحن الاقوى، كيف ذلك وهم الذين انهزموا امامنا في 5 مباريات رسمية من مجموع 10 مباريات رسمية و فازوا في لقائين فقط، بينما انتهت ثلاث مباريات بالتعادل.. لكن إذا نظرنا الى ظروف إجراء معظم هذه المباريات فإننا نجدها متعبة و محرقة للاعصاب، ولعل الكثير من جماهير اللعبة بالبلدين يتذكرون واقعة القاهرة في التصفيات المؤهلة لاولمبياد لوس انجلس 1984، وكيف فاز المنتخب المصري بملعب ناصر وبشق الانفس بنتيجة هدف مقابل صفر، لكن في ظروف لا تسر احدا. كما ان هذه الجماهير تتذكر ايضا مباراة العبور الى روما في مونديال 1990 وكيف فاز المنتخب المصري آنذاك بهدف لصفر، في مباراة ظلت رواسبها قائمة لسنوات طويلة ولم يغلق ملفها الا بعد آخر حلقة من مسلسل بلومي والطبيب المصري المعور. ولعل التاريخ يعيد نفسه مرة اخرى، ونقول للاشقاء المصريين، خدعوك يا مصر عندما قالوا لك ان العبور الى جنوب افريقيا يمر حتما عبر صحراء الجزائر، كما قالوها لنا، خدعوك يا جزائر عندما قالوا لك كل الطرق تؤدي الى روما، في إشارة الى فوزهم على الجزائر في اياب الدورالثالث والاخير من تصفيات مونديال ايطاليا 1990. إن العودة الى ارشيف المباريات الرسمية بين المنتخبين الجزائريين قد يضعنا امام احداث تاريخية غلفت دوما العلاقات بين الشعبين واعطتها نكهة خاصة ومتميزة، كانت تضع مصلحة البلدين فوق كل الاعتبارات، بدليل ان الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها المنتخب المصري اول امس عند حلوله بمطار هواري بومدين الدولي وكذا الظروف التي هيئت له بمقر إقامته بفندق الميركور والتي اشاد بها الدكتور حسن شحاتة المدرب المصري، الذي ابدى سعادة لا توصف وهو يتحدث إلى الصحافة الوطنية والمصرية التي رافقت الوفد، والتي اشادت بدورها بالظروف الجيدة التي استقبل بها المنتخب المصري في الجزائر. زياني وبوقرة وبلحاج.. القوة الضاربة لكن وفي كل الحالات، فإن مبارة اليوم قد تختلف عن سابقاتها في اشياء كثيرة، بدءا بصحوة المنتخب الجزائري الذي يمر بفترة انتعاش قد تترجم العودة التدريجية للكرة الجزائرية الى الساحة الدولية، فضلا عن كون المنتخب الجزائري يضم ترسانة من اللاعبين المحترفين الذين ينشطون في اندية اوروبية كبيرة، على غرار كريم زياني الذي يلعب لوصيف البطل الفرنسي - اولمبيك مرسيليا - ومجيد بوقرة المتوج بكأس وبطولة اسكتلندا مع فريق غلاسكو رانجرس ونذير بلحاج الذي يلعب لنادي بورتسموث الإنكليزي وغيرهم ممن ابدعوا ولهم ثقلهم في البورصة اوروبيا. الأولاد كبروا يا شحاتة... وبالمقابل، وعلى الرغم من ان المنتخب المصري يأتي الاول عربيا، حسب الترتيب الشهري الاخير للفيفا، وبالرغم من انه يملك محمد ابو تريكة الذي يعد في نظر الجزائريين مفخرة لكل العرب وليس للمصريين فقط، فإن هناك ثمة حقيقة لا يجب القفز عليها وهي ان تعداد المنتخب المصري بدأ يشيخ ويهرم وان سن لاعبيه تجاوز بكثير عتبة اللعب على اعلى مستوى، بدليل ان نتائج الاهلي الذي هو الاقوى والاحسن افريقيا، بدأت في التراجع الى درجة ان الاهلي الذي ضم خيرة لاعبي مصر سقط من كأس الابطال الى كأس الاتحاد الافريقي وذل في هذه الاخيرة وانسحب في انغولا.. وقد اوعز النقاذ هذا التراجع الى هذه العوامل وفارق السن عند رفاق ابن كفر البطيخ الحارس عصام الحضري، وسيكون له وزنه السلبي هذا المساء ولو اننا ندرك ان لاعبي ارض الكنانة سيوظفون عامل الخبرة الطويلة في المنافسات القارية للخروج بأقل الاضرار.