يعتبر السكري أحد الأمراض التي تشكل للمصاب ولمن حوله ما يشبه أزمة حقيقية، وتجعلهم في حالة استنفار دائم، لثقل هذا المرض الذي يتطلب متابعة دورية ومراقبة دقيقة ونظاما غذائيا صارما. وإذا كان الحديث عن سكري الأطفال فلا بد أن نشير إلى انه مرض يجعل صاحبه يشعر بأنه يختلف عن أبناء جيله، وأن عليه التأقلم مع هذا المرض وتقوية عزيمته للتعايش معه، الى غاية ان يصل في مرحلة من عمره إلى الاقتناع بأن هذا المرض حالة قدرية لا نملك دفعها عن أنفسنا أو عمن حولنا. يثقل داء السكري كثيرا كاهل أطفال ومراهقين كتب لهم التعايش مع هذا المرض المزمن. وإذا كان السكري يرهق الكبار فكيف هو الحال بالنسبة للصغار ومنهم أطفال دون الخامسة وحتى دون السنة الواحدة؟ ولئن كان الكثير من هؤلاء لا يفقهون بعد طبيعة مرضهم أو حتى كيف أصيبوا به، فإن الأم هنا تكون هي المواجه الوحيد لإصابة طفلها بالمرض المزمن بعد أن تتجاوز صدمة تلقيها خبر إصابة طفلها أو حتى رضيعها بالداء المزمن، فلا يتبادر إلى ذهنها لحظتها سوى التساؤل لماذا ابني أنا.. انه صغير وكيف له أن يصاب بالسكري؟ اعتقادا منها أنه داء لا يصيب إلا الكبار. إصابة الطفل صدمة الأم من الأمهات من تكذّب نتيجة التحاليل التي تظهر إصابة طفلها بالسكري، مثل أم سماح بندو التي صادفتها "المساء" مؤخرا على هامش يوم تحسيسي حول سكري الأطفال بمدينة بومرداس.. قالت الأم أنها لاحظت على ابنتها تغيرات كثيرة بعد زلزال ماي 2003، بحيث أصبحت الطفلة ترفض الأكل ما جعلها تفقد الكثير من وزنها وتتبول لا إراديا كل ليلة، ثم ظهر بين أصابع الرجل اليمنى للطفلة فطر تطور بعدها واخذ وقتا طويلا حتى اختفى فعرضت الطفلة على طبيب وطلب من الأهل إخضاعها لتحاليل على أساس أنها مصابة بتعفن بولي، ولكن النتيجة صدمت الأم، حيث كانت نسبة السكري بدم الطفلة أكثر من 5 غرامات، رغم ذلك كذبت النتيجة وأخذت ابنتها على عجالة إلى مستشفى الثنية، وهناك أدخلت الفتاة إلى الإنعاش وبقيت بالمصلحة 12 يوما حتى تم موازنة السكري في دم الطفلة التي خرجت يومها وهي تحمل معها الداء بين أضلعها الصغيرة وهي بعد ابنة السادسة. تقول سماح ببراءتها أنها تحمل بعض الحلوى في حقيبتها المدرسية تحسبا لانخفاض السكري وأنها تتبع تعليمات والدتها حرفيا، ولكن يحدث أحيانا أن تنساق وراء شراء بعض الحلويات مقلدة بذلك بعض صديقاتها فتكون النتيجة ارتفاع في نسبة السكر، الأمر الذي تدركه الأم مباشرة في أعراض تظهر على الطفلة. تقول الأم أنها لا توبخ طفلتها "فمن البديهي أن تنساق سماح في سنها لشراء حلويات ومأكولات سريعة مثل أقرانها، ولكني أدرك أنها إذا فعلت ذلك فبشكل عرضي وعليها أن تخبرني حتى اعرف كيف أتدخل سريعا مخافة أن يتدهور وضعها الصحي". وتؤكد المتحدثة أنها لم تكن قبل إصابة ابنتها بالسكري تعرف شيئا عن هذا المرض ولكن إصابة سماح جعلتها تهتم بكل الحصص الصحية وتجمع كل القصاصات حول المرض، علها تستنير بمعلومات تفيدها في متابعة صحة طفلتها. أما الأنسولين فكانت الأم طوال ست سنوات تحقن الطفلة وعند بلوغها الثانية عشرة علمتها الاعتماد على نفسها في الحقن ولكنها تبقى تحت إشراف الوالدة. وإذا كانت سماح تتقبل إصابتها بالسكري، خاصة وان لها صديقة مدرسة مصابة مثلها، فإن سامية وهي حاليا في السادسة عشر من عمرها تعتبر مرضها ثقيلا للغاية "أصبت بالسكري وأنا بنت الثماني سنوات، أمي هي من تفطنت للإصابة بعد أن لاحظت علي تغيرات، فقد انخفض وزني كثيرا، وبعد إجراء التحاليل انكشف أمر إصابتي بالسكري"، تقول الفتاة وهي تلف بين أصابعها يد حقيبتها الطويلة ولا تتكلم إلا بعد إعادتنا للسؤال أكثر من مرة. الفتاة قالت أنها كانت تلقى الدعم والمساندة من قبل جميع أفراد أسرتها، ولكنها حاليا تجد نفسها وحدها مسؤولة عن مرضها وعن مراقبة السكري في دمها، إضافة الى حقن نفسها بالأنسولين. وتشعر سامية وكأن اهتمام أسرتها بها قد تراجع، فحتى نظام أكلها عليها هي أن تراقبه وتنظم كل أمورها بمفردها، وهو ما جعلها تستفيق حقيقة لطبيعة مرضها.. وحياتها أيضا. والفتاة مطأطأة الرأس تعترف أنها تحس بانتقاص قليل في شخصها مقارنة بقريناتها، وكثيرا ما تتجاوز حقن نفسها بالأنسولين وهي بالقسم، خاصة أيام الفروض والامتحانات، وتقول أن تركيزها حينها ينصب على دراستها، فهي مستقبلا تريد أن تكون صيدلية لشغفها بالأدوية ومحاولة معرفة أسرارها، وطبعا كان لمرضها التأثير المباشر على اختيارها هذا، بالنظر إلى ارتباطها الدائم بالدواء والتحليل والحقن. عكس سامية التي تتقبل مرضها على مضض وتشعر بانتقاص أمام قريناتها، فإن الطفلة أسماء ذات الثماني سنوات، أظهرت شجاعة لا مثيل لها أمام أمها المنهارة التي صعقت لدى سماعها خبر إصابة ابنتها الثانية بالسكري، فأجهشت بالبكاء، خاصة وأن ابنتها البكر رقية أصيبت بالسكري وهي ابنة سنة واحدة، ولم تتوقع أن تصاب ابنتها الثانية أسماء التي ظنت الأم أنها تشعر بالغيرة من ازدياد أختها أميمة ولكن نحافة جسمها وعيائها المتواصل وعدم خروجها للعب مع أقرانها، جعل الأم تشك في الأمر لتتأكد بعد التحليل أنها مصابة هي الأخرى بالسكري فتنتابها حالة يأس شديد لم تتخلص منها إلا والطفلة أسماء التي تربت في حضنها تقول لها: "قدر الله وما شاء فعل"، هنا فقط استطاعت الأم استرجاع بعض أنفاسها وتمكث مع أسماء بمصلحة الاستعجالات لمستشفى برج منايل 10 أيام حتى تم خفض نسبة السكر التي كانت 6.76 غرامات، تقول الأم وهي تجهل بعد سبب إصابة ابنتيها بالسكري، خاصة وان تاريخ العائلة يخلو من المصابين بالداء. الآباء ضعفاء أمام الحقن والمرض وترتكز حقيقة أسباب إصابة الأطفال بالسكري على فرضية تكوُّن أجسام مضادة بأجسام الأطفال، تقوم بالقضاء على خلايا البنكرياس المفرزة للأنسولين ويكون سبب هذه الأجسام عادة نتاج تضافر عوامل بيئية واستعداد وراثي يجعل المصاب بهذا المرض بحاجة إلى علاج الأنسولين مدى الحياة. هذه هي المعلومة التي تقاسمها معظم أولياء الأطفال المصابين بالسكري من محدثي "المساء"، إلا أننا نشير إلى أننا استقيناها من الأمهات اللواتي يظهرن رغبة في الاطلاع على طبيعة المرض وكيفية التعامل معه وحتى كيفية حقن الأنسولين، عكس الآباء ممن يظهرون نوعا من الضعف أمام مثل هذه الحالات ولا يتمكنون من تخفيف العبء إلا بإقرار توفير كل متطلبات الطفل المصاب كنوع من التعويض.. هكذا اسر لنا والد الطفلة بلونيس أميرة ذات 15 سنة والتي أصيبت بالسكري بعد تعرضها لأزمة نفسية وهي في الخامسة من عمرها، يقول الوالد أن ابنته كانت وقتها تلعب في الفناء ثم وقع شجار بين الجيران فتوعد بعضهم بعضا فعادت الطفلة إلى البيت وهي مصفرة، معتقدة أن الجيران كانوا يقصدونها فانتابتها نوبة بكاء هستيرية وبقيت تطلب شرب الماء فقط، ولما اصطحبها الوالد إلى طبيب العائلة طلب الأخير إحضار البنت في اليوم الموالي في الصباح الباكر لاصطحابها شخصيا إلى استعجالات الأطفال بمستشفى الثنية، حيث شك في أمر إصابتها بالسكري ولم يخبر الأهل، ويومها تأكد من الأمر، بحيث أن نسبة السكري في دمها كانت 4 غرامات. ويعترف الوالد بأن أم أميرة هي التي تعتني منذ سنوات بحالة الطفلة الصحية، كونه يبدي ضعفا أمام الحقن والدواء وما شابه ذلك، ولكنه بالمقابل يعترف أنها المفضلة بعض الشيء إليه عن بقية إخوتها ربما بسبب مرضها.. معتبرا الأمر ابتلاء يجب تقبله. وبعد رحلة طويلة مع اكتشاف المرض عند الأطفال والتأقلم مع قضاء الله وقدره، وبعد إعادة توازن نسبة السكري في دم الطفل وتعلم حقن الطفل بالأنسولين والخضوع لدورات تدريبية تقام بمصالح داء السكري بالمستشفيات التي تستقبل أولئك الأطفال، فإن نوعا آخر من المعاناة يبدأ في الظهور ويخص الأدوية وحقن الأنسولين ومدى توفرها للمريض. لا بد من دار سكري للأطفال تشير الدكتورة لاسيت إلى أن السكري مشكلة كبيرة تؤثر على مستقبل أطفالنا، اذ يوجد عدد كبير من الأطفال مصابون بمرض السكري من النوع الأول الذي يعتمد في علاجه على الأنسولين بنوعيه السريع والممتد المفعول أو البطيء، وكل من يصاب بمرض السكري بين شهرين و30 سنة يسمى سكر أطفال أو سكر المراهقين أو النوع الأول، وهؤلاء يفشل البنكرياس لديهم.. هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى عناية خاصة تتمثل في التحليل اليومي المستمر لنسبة السكر في الدم قبل وبعد كل وجبة من الوجبات الثلاث والساعة الثانية صباحا، حتى لا تحدث لهم غيبوبة سكر، بمعنى أن الطفل يحتاج في الأمور العادية إلى سبعة تحاليل يومية تكلف أهله أموالا قد لا يتحملها الكثير من محدودي الدخل، إلى جانب خمس حقن أنسولين سريعة المفعول (أنسولين مائي) قبل كل وجبة، بالإضافة إلى حقنتين من الأنسولين الممتد المفعول قبل الإفطار وقبل العشاء، التحاليل الدورية المستمرة لوظائف الكبد والكلى والدم والهيموغلوبين السكري، كشف قاع العين والأسنان كل ستة شهور ونظام غذائي صارم.. كل هذا حتى نقلل من التأثيرات الجانبين والمدمرة لمرض السكري على الطفل الذي سيعيش بهذا المرض طوال عمره. ومن جهة أخرى، كشفت الدكتورة فريدة لاسيت على هامش اليوم التحسيسي، عن مشكل آخر تعتبره خطيرا جدا متمثل في إبرة حقنة الأنسولين؛ التي لا بد أن تكون قصيرة بالنسبة للطفل النحيف وان تكون أكثر طولا للطفل البدين، وطول إبرة الأنسولين عند البالغين تكون عادة بين 8 الى 12.7 ملم، أما عند الأطفال فهي بطول 6 ملم. وتؤكد محدثتنا أن عدم احترام هذه المقاييس يعني تأثيرا سلبيا للغاية على الطفل المصاب، لأن الحقنة قد لا تصل دم الطفل، ما يعني احتمال دخوله في غيبوبة بصفة متكررة مع احتمال كبير في إصابته بأمراض أخرى أكثر ثقلا كضعف النظر والقصور الكلوي. كما تشير الأخصائية ورئيسة جمعية الأطفال مرضى السكري لولاية الجزائر، الى انه ينبغي على السلطات الصحية التفكير الجدي في فتح دور للسكري خاصة بالأطفال والمراهقين، بحيث من الضروري التفرقة بين هؤلاء والمرضى البالغين. وتؤكد الدكتورة أن فتى في 17 من عمره أحضر إلى مصلحتها بمستشفى بارني على عجل بعد ان حاول الانتحار بقطع شرايين يده اثر رؤيته مصابين بالسكري مقطوعي السيقان بسبب مضاعفات المرض، وهذا بدار السكري بالعناصر (الرويسو) بالعاصمة، فأصيب بإحباط جعله يفكر في الانتحار بعد ان كان يعتقد ان الحرص على نظام صحي يمكنه من الحفاظ على صحته.