أحيت ولايات الوطن، أول أمس، ذكرى المولد النبوي الشريف، المصادف 12 ربيع الثاني من كل سنة هجرية، بتجسيد عادات وتقاليد متوارثة جيلا بعد جيل، تخص أساسا إعداد وتقديم أكلات تقليدية متنوعة، وحلويات وتحليات، إلى جانب تنظيم سهرات عائلية وتبادل الزيارات وتعزيز أواصر صلة الرحم، ناهيك عن برمجة سهرات دينية، تتخللها مدائح وقصائد تتغنى بمولد المصطفى. هي عادات وتقاليد توارثتها الأجيال، للاحتفال بمولد خير الأنام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بولايات سطيف وميلة وبرج بوعريريج، إذ يشرع في التحضير لها منذ دخول شهر ربيع الأول، ولمعرفة هذه العادات والتقاليد وأجواء الاحتفال بهذه المناسبة، قامت جريدة "المساء" بهذا الاستطلاع. فمنذ بداية هذا الشهر، تبدأ العائلات بتنظيف البيوت، واقتناء أغراض جديدة للتبرك بحلول هذا الشهر، كما تقوم بعض العائلات بعقد جلسات، بحضور الأهل والأقارب، يتناولون فيها ما طاب من الحلويات والشاي والقهوة. تحضر ربات البيوت خلال ليلة المولد النبوي الشريف، ما لذ وطاب من الطعام التقليدي، فمنهن من تقوم بتحضير الكسكس أو "الرشتة" أو "المفرمسة"، وغيرها من الأكلات الشعبية والتقليدية التي تعودن عليها في كل سنة، ومع قرب آذان المغرب بدقائق، يجتمع أفراد العائلة، خصوصا الأطفال، حول مائدة من الشموع، ويرددون أناشيد وقصائد دينية على إيقاع الطبول، لتختتم بوضع الحناء للأطفال. وفي نفس الليلة، تحتفل المساجد أيضا بمولد خير الأنام، حيث يستقبل الأئمة قدوم غرة ربيع الأول بإلقاء الخطب والدروس والمواعظ الدينية في مختلف المساجد، يؤكدون فيها على أهمية تربية الأجيال الصاعدة على أخلاق الرسول الكريم، مع التعريف بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وشخصيات التاريخ الإسلامي العظيم، ودعوة الحاضرين إلى التحلي بصفاته، كما يتم تكريم حفظة القرآن الكريم والأحاديث وكذا الفائزين بمختلف المسابقات التي أجريت لهذا اليوم، والتي تتمحور أسئلتها كلها حول سيرة الرسول الكريم. أما في صبيحة يوم 12 ربيع الأول، فتقوم بعض العائلات، خاصة تلك القاطنة ببلديات الجهة الشمالية، على غرار الجعافرة، ألماين، والقلة وغيرها بولاية برج بوعريريج، وبني ورتيلان، وبوعنداس، وآأيت نوال مزادة في ولاية سطيف، وكذا بلديات مينار زارزة وتسدان حدادة في ولاية ميلة، بتحضير "الطمينة" أو "الرفيس"، ويجتمع عليها الصغير والكبير، تيمنا بأن يكون العام كله حلو كحلاوة تلك الأكلة، في حين تستغل بعض العائلات بولايات الهضاب العليا هذه المناسبة بختان أولادها. "الوزيعة" فرصة للتضامن والتآزر وتصفية القلوب تعتبر "الوزيعة" أو "النفقة" أو"السهمة" أو "ثيمشريط" بالأمازيغية، مظهرا من مظاهر التضامن والتآزر للاحتفال بمولد خير الخلق في ولايات برج بوعريريج، وسطيف وميلة، خاصة على مستوى المداشر والقرى، وتتمثل في التقاء أبناء الدشرة على ذبيحة يكون فيها الضامن أحد أعيان المنطقة، ويتم شراء الذبيحة وإعداد قائمة تتضمن أسماء كل عائلات الدشرة، وفي مقدمتها إمام المسجد ومعلم المدرسة الابتدائية ومعلم القرآن، اعترافا وتبجيلا لمكانتهم العلمية والدينية، وعادة ما تضم أسماء العائلات المعوزة في صدارتها، وبعد شراء الذبيحة من مال المقتدرين من أرباب العائلات، ولا تذكر أسماؤهم، يتم ذبحها وتقطيعها ووضعها في شكل حصص متساوية بعدد العائلات، ويقوم بعدها الأطفال بتوصيلها إلى منازل العائلات وضحكتاهم البريئة تملأ المكان وهو يمرحون، لأنهم يعرفون مسبقا أنهم سيتناولون عشاء خاصا في هذا اليوم ليس ككل الأيام، كما تكون "الوزيعة" فرصة لتلاقي الناس من أجل تصفية القلوب من الضغائن الناجمة عن خلافات محلية، إذ يتدخل إمام الدشرة لعقد لقاءات الصلح وإعادة اللحمة بين المتخاصمين، وبهذا تبقى "الوزيعة" عادة حميدة بين أبناء الهضاب العليا. المفرقعات تعكر جو الاحتفال بالمولد بعدما كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في برج بوعريريج، بإعداد ما لذ وطاب من الأطباق والاكتفاء بأنوار الشموع والروائح العطرة للبخور والجاوي، في جو عائلي يسوده التضامن والتكافل بين العائلات والجيران، تحول خلال السنوات الأخيرة، إلى مظاهر الترهيب باستعمال المفرقعات والألعاب النارية بمختلف أنواعها، رغم مخاطرها، حيث أضحت البديل عن العادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين، وباتت مستشفىيات لخضر بوزيدي، وسعادنة عبد النور والإخوة مغلاوي، وغيرها من مستشفيات الولايات، لا تخلو من تواجد الأطفال، بسبب تعرضهم للحروق، وعدم معرفتهم كيفية استعمال المفرقعات، بالرغم من المجهودات التي تبذلها مختلف المصالح الأمنية من أجل الحد من هذه الظاهرة، التي أصبحت تعكر جو الاحتفال بهذه المناسبة الدينية.