تأسف المؤرخ محمد بالمدور المختص في الفترة العثمانية، لاندثار عديد المظاهر الاحتفالية التي كانت تميز بعض المناسبات الدينية، خاصة منها الاحتفال بمولد خير الأنام، سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ”تحاول اليوم بعض المساجد على مستوى العاصمة، وبعض الزوايا على مستوى القرى والمداشر، إعادة إحياء المظاهر الاحتفالية بهذه المناسبة الدينية، بإقامة الاحتفالات التي يغلب عليها الطابع الروحاني، كقراءة القرآن والإكثار من الدعاء والتهليل، التسبيح والتصدق. حضي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لدى المجتمع الجزائري باهتمام كبير حتى قبل بناء مدينة الجزائر، أي قبل الفترة العثمانية، فعلى الرغم من أن الجزائريين كانوا قلة، يتمركزون على شطوط الجزائر، وكان وقتها الفينيقيون يتوافدون على الجزائر بغية ممارسة التجارة، يقول محمد بالمدور؛ ومع هذا، كان أفراد المجتمع يميلون إلى تعظيم هذه الشعيرة الدينية بالاعتماد على الزوايا التي كانت توكل إليها مهمة مباشرة الاحتفالات. يقول محدثنا؛ احتفالا بالمناسبة، كانت الزوايا تقوم بالإطعام من خلال إقامة الذبائح والإشراف على تزويج الشباب من طلاب الزوايا، ومن جملة الأعراس التي كانت تقام بمناسبة المولد النبوي الشريف ”عرس البغل”، وسمي بهذا الاسم لأن الطالب بالزاوية لا يدفع أي شيء، بل تتكفل الزاوية بتزويجه تعبيرا عن الفرح بالمناسبة الدينية السعيدة، حيث كانت تعتبر الأعراس أحد أهم المظاهر الاحتفالية بهذه الشعيرة الدينية.
الاحتفال انتقل من الزوايا إلى المنازل والمساجد أخذ الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، شكلا آخر بعد بناء أسوار مدينة الجزائر بنو مزغنة، يقول محمد بالمدور، ويضيف؛ فبعد ما تزايد عدد أفراد المجتمع الجزائري وكبر التجمع السكاني، حيث كان الأب يقوم بتزويج أبنائه الذي يبنون دويرات بالقرب من أبيهم، بحيث يحاط بيت الأب بمجوعة من الدويرات قد تصل إلى خمس منازل في بيت واحد، وكان يتولى الأب الإشراف على الاحتفالات التي تمثلت في التصدق على الفقراء والمساكين، إلى جانب التزاور. ناهيك عن إطالة السهر في المساجد لقراءة القرآن والمشاركة في المسابقات الدينية التي تحيي سيرة النبي عليه السلام. أما بالنسبة للنسوة، يقول بالمدور؛ ”فكن يقمن يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بزيارة المقابر، وعقب عودتهن إلى المنازل، يتخضين بالحناء، ثم يشرعن في ترتيب المنازل وتغيير الثياب، لأن يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يتطلب منهن، طبقا للعادة، الظهور بأبهى حلة، حيث تتزين النساء والأطفال الذين يرسمون مظهر الاحتفال بالشعيرة بثيابهم الجديدة، حاملين في أيديهم الحلويات التقليدية التي كانت تحضرها النساء، مثل ”الطمينة”، ”الشاراك” وحلوى ”الغريبية” التي تقدم ليلة الاحتفال، مرفقة بالشاي للكبار وب«الشاربات” للأطفال. لعل من أكثر المظاهر الاحتفالية التي كانت سائدة في الفترة العثمانية، يقول بالمدور، أنها تتمثل في إشعال الشموع في كل أرجاء المنزل، إذ كانت بيوت القصبة تشع منها الأضواء، بما في ذلك مداخل الدويرات، بينما تصعد النساء إلى المنزه للدعاء في الوقت الذي يطيل فيه الرجال السهر بالمساجد لختم القرآن الكريم، دون أن أنسى يضيف بالمدور أن شوارع القصبة قديما كانت تطرب لأنغام الزرنة تعبيرا عن الفرحة بالمناسبة.
المظاهر الاحتفالية اختفت خلال الاحتلال الفرنسي وعقب الاستقلال بمجيئ المستعمر الفرنسي، فقد المجتمع الجزائري الكثير من المظاهر الاحتفالية، يقول بالمدور، حيث قل الإقبال على المساجد، بينما اقتصرت الاحتفالات على إقامة بعض الأكلات التقليدية. وعقب الاستقلال، وبخروج قاطني القصبة من بيوتهم وتغييرها بمنازل الفرنسيين، تركوا كل العادات التي كانت سائدة في الاحتفال بمولد سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وحلت محلها المفرقعات التي عكست مدى تأثر المجتمع الجزائري بالثقافات الغربية، والنتيجة أن فقد الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم طابعه الروحاني. غير أن ما ينبغي ذكره ونحن نعيش الحدث يقول بالمدور هو أن القرى والمداشر، خاصة في بلاد القبائل، لا تزال متمسكة ببعض المظاهر الاحتفالية التي كانت سائدة قديما، إذ لا تزال توكل مهمة الاحتفال للزوايا التي يجتمع حولها سكان الدشرة لمباشرة الاحتفالات في جو مفعم بالتضامن والتآزر .