دعا مختصون في مجال الاتصال الرقمي في ظل ما تشهده الساحة الوطنية والدولية من تطورات تتعلق بتطور المعلومة وكيفية تداولها، إلى الاهتمام أكثر بتكوين الصحفي، ليتمكن من مواكبة التطورات الحاصلة في مجال الرقمنة، من خلال تطوير مهاراته في مجال الإعلام الإلكتروني، خاصة أن 61.8 ٪ من سكان العالم، اليوم، يستخدمون الإنترنت، الأمر الذي يفرض حتمية التدرب على مختلف التقنيات لمواكبة السرعة في تداول المعلومة والانتشار، والتصدي لما يسمى"فيك نيوز" أمام الانتشار الواسع لصحافة المواطن، التي أظهرت الحاجة إلى وجود ما يسمى ب "الإعلام المتأني". افتتح اللقاء التكويني الذي بادرت بتنظيمه جمعية الصحفيين والمراسلين لولاية البليدة إحياء لليوم الوطني للصحافة، على مستوى المعهد الوطني لموظفي قطاع التربية، الخبير في الاتصال الرقمي محمد لهوازي، الذي قدم لمحة تاريخية حول الصحافة الإلكترونية، والذي أوضح أن نشأة الصحيفة الإلكترونية تعود إلى عام 1991، حين تم نشر أول خبر إلكتروني بينما كانت الانطلاقة الفعلية لتداول المعلومات حول المواقع الإلكترونية، في منتصف التسعينات. ففي سنة 1996 كان هناك 1600 صحيفة إلكترونية. وفي سنة 2000 قفز العدد إلى 4 آلاف موقع إلكتروني. وفي 2001 سُجل انفجار معلوماتي كبير بعدما أصبحت مصادر المعلومة متوفرة، الأمر الذي جعل تداول المعلومة كبيرا جدا، مشيرا إلى أن العهد الجديد الذي ميزته الكثافة والتنوع وسرعة التدفق، كان بفضل الاندماج بين التكنولوجيا والإعلام، وهو ما زاد من جاذبية وسائل الإعلام لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة واستغلالها، حيث كان من أهم نتائج هذا الاندماج "ظهور وظائف إعلامية جديدة بكفاءات نوعية". ومن بين النتائج التي ترتبت على الاندماج بين الإعلام والتكنولوجيا، حسب الخبير، "كثافة هائلة في مصادر المعلومات وآليات نقلها، واستهلاك واسع للمعلومات، والتكامل بين المصادر الإعلامية متعددة الوسائط وتكنولوجيا الاتصال التفاعلي بمختلف وسائطها ممثلة في فايسبوك". ويقول أيضا: "كان ميلاد ما يسمى بصحافة المواطنة، التي جعلت الانتقال من الاتصال العمودي إلى الاتصال الأفقي متعدد الاتجاهات، والذي خلق تحديا للصحفي في محاربتها، خاصة أنها لا تلتزم بضوابط وأخلاقيات المهنة"، مشيرا، في السياق، إلى أن في سنة 2005 عرفت الجزائر بداية انتشار المواقع الإلكترونية، حيث تزامنت الفترة مع ظهور الجيل الثاني لشبكة الأنترنت، التي وفرت المزيد من الأدوات التفاعلية، من خلال الصحافة الإلكترونية. وخلال هذه الفترة تم ميلاد فايسبوك، الذي غيّر من طريقة وتفاعل المستخدمين، وزاد من جاذبية الصحافة الإلكترونية. وبرز معه تحد كبير، وهو مستوى المهنية وجودة المحتوى الذي تقدمه الصحافة الإلكترونية، خاصة بعدما أصبحت بعض الصحف الإلكترونية تخلط بين السرعة والمصداقية"، يقول الخبير، "ومن هنا ظهرت المعادلة الصعبة بين التقييد والالتزام بأخلاقيات المهنة، وبين سرعة الانتشار والتفاعل؛ ما يفرض على الصحفي بالإعلام الإلكتروني، اكتساب مهارات التحرير التقني في الإعلام الإلكتروني، خاصة ما يتعلق منها بكيفية نشر الخبر، الذي يستهدف من ورائه تنوير الرأي العام، وكسب قارئ وفيّ". وعلى صعيد آخر، أشار الخبير إلى أن انتشار الأنترنت والبنية التحتية للصحافة الإلكترونية بالدول العربية، لايزال دون المستوى، حيث نجد نسبة الولوج إلى الأنترنت في الدول الغربية، تقدر ب 49 ٪ مقارنة مع الدول العربية التي لا تتعدى فيها النسبة 43 ٪، وهو ما يفسر عدم وجود مواقع إلكترونية كبيرة كما هي الحال في الدول الغربية، مشيرا إلى أن "بعض الدول العربية لاتزال تمارس بعض القيود لمنع تداول بعض الأخبار والمعلومات، في الوقت الذي نعيش فيه زمن الانفتاح على المعلومة"، لافتا إلى أن "الأهم بالنسبة للإعلام الرقمي هو طريقة الانتقاء، واحترام أبجديات النشر، التي يُفترض أن يتحملها الصحفي". ومن جملة التحديات التي أصبحت تواجه الصحافة الإلكترونية، حسب الخبير، "تدني جودة المحتوى الإعلامي على مستوى الدول العربية بما فيها الجزائر، وهذا يفرض حتمية وجود قوانين تضبط هذا المجال، وكذا التوجه نحو تكوين الإعلاميين؛ من خلال التأسيس لدورات ترفع من مستوى الإعلامي في المجال الرقمي، خاصة أن الإعلام التقليدي لم يعد لديه جمهور؛ بدليل انقراض بعض الصحف. كما إن الأخبار العاجلة أصبحت من أهم مقاييس نجاح الإعلام الإلكتروني، غير أن المصداقية تظل أهم من مجرد النشر"، وبالتالي، يقول، "الإعلام الرقمي أصبح وسيلة، أيضا، لإدارة الأزمات، وكذا التظليل أو ما يسمى ب "فايك نيوز"، ومن هنا يظهر دور الصحفي الإلكتروني الذي يفرق بين الأخبار التي تُعرض، وهي فرصة، أيضا، للمهتمين بالإعلام الرقمي من أجل التأسيس لما يسمى "الإعلام المتأني"، لمواجهة الكم الكبير من الأخبار التي تُبث عبر المواقع، خاصة أن الرهان، اليوم، هو كسب قارئ وفيّ، وليس التسرع في النشر، حسب تأكيد المتحدث، ليختم الخبير مداخلته بتقديم بعض المهارات التي ينبغي على الإعلامي اكتسابها عند تحرير الخبر في الإعلام الإلكتروني، والمعايير الواجب توفرها، وأهم المراحل التي ينبغي اتباعها من أجل إنشاء موقع. كما تطرق للأمن الرقمي، وكيف يمكن الإعلاميَّ حماية معطياته الشخصية من خلال استخدام كلمات قوية ومتنوعة، والتحديث المستمر للبرامج، وتجنب استخدام "الويفي" المجاني في الأماكن العمومية، الذي يعرض معطياته للقرصنة. واختار الخبير في الاتصال الرقمي خليل بارودي، أن يتطرق من خلال مداخلته، للمنصات الرقمية، حيث أكد في هذا الخصوص، أن "المعرفة التقنية بالنسبة للإعلامي، مهمة بشكل كبير في ظل البيئة الجديدة"، موضحا أن "ميدان الإعلام والاتصال يعرف، يوميا، تغيرات كبيرة من حيث سرعة التدفق في المعلومات والأخبار". وبالمناسبة، دعا إلى فتح مراكز للتسويق الإعلامي، من أجل الاندماج في المجتمعات الرقمية؛ قصد إحداث التأثير بعد الانتشار الكبير للهواتف الذكية الحديثة، والمجهزة بمختلف التطبيقات. وحسب محمد لهوازي، فإن الكلمات المفتاحية التي تُعتبر من أدوات البحث عن مواقع الإعلام الرقمي، لم يعد لها تأثير قوي بعدما أصبح يتم التلاعب بها، وأصبح التركيز على المحتوى في حد ذاته، لا على الكلمات المفتاحية التي يُفترض أنها البوابة التي يتم الولوج من خلالها إلى ما يتم البحث عنه، كاشفا في السياق، عن ظهور روبوتات الذكاء الاصطناعي، والمزارع الإلكترونية، والتي أصبح لها تأثير كبير على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.