❊ إزالة حاجز الخوف والتسلح بالإصرار والتضحية ❊ صدق المجاهدين وإيمانهم بعدالة قضيتهم ساهم في نجاح الإعلان عن الثورة ❊ السلطات الاستعمارية تيقنت بعد هذه الليلة أنها تواجه تنظيما وثورة حقيقية عاشت ولاية البليدة، ليلة الفاتح نوفمبر 1954، على وقع سلسلة من العمليات التخريبية، مسّت البنية التحتية والثكنات العسكرية للمستعمر الفرنسي، معلنة بداية ثورة شعب آمن باستقلال بلاده، حسب شهادات مجاهدين عايشوا هذا الحدث التاريخي الخالد. في حديث لوكالة الأنباء، قال المجاهد عبد القادر عنان، أحد المشاركين في تنظيم هذه العمليات، أن الهدف الرئيسي من تنفيذها كان "إزالة حاجز الخوف لدى المجاهدين" و"الإعلان عن اندلاع الثورة التحريرية، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها، لاسيما في ظل عدم توفر الأسلحة الكافية". واستنادا لمصادر من مديرية المجاهدين وذوي الحقوق، فقد سبق تنفيذ هذه العمليات العسكرية التي شاركت فيها 9 أفواج من المجاهدين أطلق عليهم اسم "أفواج مجاهدي 1 نوفمبر بمتيجة"، تحضيرات شملت تدريب المجاهدين وإعداد مخططات لتنفيذ الهجمات التي كللت جلها بالنجاح وحققت الأهداف المرجوة منها وكبدت المستعمر خسائر مادية معتبرة. قبل ليلة الفاتح من نوفمبر بنحو 4 أو 5 أيام، قام عدد من المجاهدين، على غرار رابح بيطاط ومحمد بوضياف، بجولة استطلاعية لمعاينة الأماكن المستهدفة بالولاية لتفجير الثورة والإعلان عن اندلاع أشهر ثورة تحريرية في التاريخ المعاصر. كما تضمنت التحضيرات الخاصة بعمليات تفجير الثورة تدشين أول مركز لصناعة القنابل بالصومعة وآخر ببلدية بوعينان المحاذية لها، ومركز بأولاد يعيش يوم 14 ماي 1954، إلى جانب إخضاع أفراد الأفواج المشاركة لتدريبات عسكرية حول استعمال الأسلحة وإعداد المخابئ. تحسبا لليلة الإعلان عن اندلاع الثورة التحريرية، تم إطلاق عملية لجمع الأسلحة القديمة مع تنظيم دوريات لتفقد النقاط المستهدفة، واعتمد قادة هذه العمليات مبدأ السرية التامة أثناء التحضير لها وكذا القناعة التامة والتطوع في تنفيذها. قال المجاهد عبد القادر عنان، إنه كلف بانتقاء واختيار الشباب المرشحين لتنفيذ هذه العمليات ممن تتوفر فيهم الشروط ليكونوا أعضاء في الأفواج المسلحة، منها أن يكونوا متمتعين بصحة جيدة وغير متزوجين وسبق لهم أن أدوا الخدمة العسكرية الإجبارية، لاستغلالهم في تدريب باقي الشباب على استعمال السلاح. واستنادا لمديرية المجاهدين، فقد شارك أيضا فوج من المجاهدين الشباب قدموا من منطقة القبائل في تنفيذ عدد من هذه العمليات التي استهدفت مهاجمة ثكنات عسكرية، تقع بكل من البليدة وبوفاريك، ليعودوا بعدها إلى ولايتهم لمواصلة الكفاح بعد نجاح هذه العمليات وتحصلهم على مجموعة من الذخيرة والأسلحة. استهداف الثكنات العسكرية والجسور حرص قادة هذه العمليات على استهداف البنية التحتية للمستعمر الفرنسي، على غرار حرق معمل الحلفاء ومعمل الورق ببابا علي، وكذا تحطيم الجسور لإعاقة تحركات المستعمر، على غرار جسر واد لكحل، الواقع عند مدخل مدينة بوفاريك وآخر بمنطقة بن شعبان، بالإضافة الى جسر واد الشعابنية الواقع بين بئر توتة وأولاد شبل. وكللت عملية ثكنة "بيزو" بالبليدة، التي شارك فيها 30 مجاهدا تحت قيادة رابح بيطاط، بالنجاح، شأنها شأن جميع العمليات الأخرى التي فاجأت المستعمر الفرنسي، وانسحبت الأفواج التي شاركت فيها إلى جبال الشريعة والمقطع الأزرق، فيما عاد المجاهدون الذين لم يكونوا محل بحث من طرف السطات الاستعمارية، إلى منازلهم. يقول المجاهد عبد القادر عنان، البالغ من العمر 90 سنة، والذي لايزال يتذكر تفاصيل أحداث ليلة الفاتح من نوفمبر بالنظر إلى قدسيتها ورمزيتها، "لحسن الحظ، كللت جل هذه العمليات بالنجاح، الأمر الذي أربك السلطات الاستعمارية التي لم تتوقع تنفيذ مثل هذه الهجمات عبر كامل القطر الوطني في نفس الوقت". من جهته، يرى أستاذ التاريخ بجامعة "علي لونيسي" بالعفرون، عبد الكريم مناصر، أن أبرز أسباب نجاح بداية الثورة التحريرية وتحقيق الأهداف المرجوة منها هو "التنظيم المحكّم وعدم إهمال أي تفصيل، سواء تعلق الأمر بتحديد النقاط المستهدفة أو التدريبات"، مشيرا إلى أن التحضيرات التي سبقت هذا اليوم "لم تكن ارتجالية ولم تترك مجالا للصدفة". "كما ساهم صدق وإرادة المجاهدين وإيمانهم بعدالة قضيتهم، في نجاح الإعلان عن ثورة الفاتح من نوفمبر"، وفق الأستاذ الجامعي، الذي أشار إلى ترحيب كل الشعب بها، خاصة بعد تأكده، عقب أحداث مظاهرات 8 ماي 1945، أن طرد فرنسا الاستعمارية لن يكون إلا بالعمل المسلح. وأضاف أن السلطات الاستعمارية، التي لم تتوقع تنفيذ مثل هذه العمليات عبر كامل الوطن في نفس الوقت، تفاجأت باندلاع الثورة التحريرية و"تيقنت، بعد هذه الليلة، أنها تواجه تنظيما وثورة حقيقية". وحسب الأستاذ مناصر، فإن تنفيذ مثل هذه العمليات بمنطقة متيجة، لم يكن بالأمر الهين مقارنة بباقي ولايات الوطن، بالنظر إلى أنها كانت تضم عددا كبيرا من مراكز المراقبة التابعة للاستعمار وتتواجد بالقرب من مراكز صنع القرار، إلى جانب كونها تشكّل موردا اقتصاديا هاما للسلطات الاستعمارية.