يجدّد المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، الوصال مع أبي الفنون، ويحتفي بمختلف التجارب الركحية، ويمنح المواهب الشابة فرص التميز والممارسة؛ حيث مد جسور الوصل للمرة الخامسة عشرة، محتفيا بالإبداع، ومكرما السلف، وحاملا رسالة الإنسان، ومستأنسا بالفرجة.. فامتلأت ساحة "محمد توري" بمحبي الخشبة والباحثين عن المتعة، التي، لا محال، سيكون المسرح الوطني "محيي الدين بشطارزي"، فضاء لها إلى غاية الفاتح جانفي الداخل. الدورة الخامسة عشرة التي تحمل اسم الفنان المجاهد "طه العامري" عضو الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني؛ مرافقةً للبرنامج الثقافي والفني المخلد لستينية استرجاع السيادة الوطنية، يؤثثها 13 عرضا ستتداول على خشبة "مصطفى كاتب"، تحت أنظار لجنة تحكيم يرأسها عبد الكريم بن عيسى بعضوية محمد فريمهدي، ولحسن شيبة، والطيب دهيمي، ونوال بن عيسى وكذا سالي بن ناصر وعديلة سوالم، وهي من 9 مسارح جهوية، ومسرح "بشطارزي"، و3 جمعيات من سكيكدة، والمدية ومعسكر. ومن بين العروض التي ستمر على خشبة "مصطفى كاتب"، مسرحية "الفلوكة" لجمعية "الصرخة" للمسرح من سكيكدة، و"موت الذات الثالثة" لمسرح العلمة، و"نساء كازانوفا" لمسرح بجاية، و«غصة عبور" لمسرح باتنة، و«روزة حنيني" لمسرح تيزي وزو، و«صيف إفريقي" لمسرح قسنطينة، و«شجرة الموز" لمسرح سكيكدة، و«موعد.كون" لمسرح بلعباس، و«الجاثوم" للمسرح الوطني، و"حلم غير مثقوب" لجمعية "الأقواس" من المدية، فضلا عن "العازب" لمسرح وهران، و"ميكانيزما" لجمعية "نشاطات المستقبل" من معسكر، و"التافهون" لمسرح عنابة. مهرجان المسرح المحترف الذي انطلق بعرض استعادي لمسرحية "نحو النور" التي قُدمت في 24 ماي 1958 بالمسرح البلدي لمدينة تونس، لن يكون للتنافس فقط، ولكن للترويح عن النفس، والاقتراب من تجارب مسرحية متباينة؛ حيث خُصصت قاعات "الحاج عمر" بالمسرح الوطني، ومسرح الجزائر الوسطى، وقاعة "ابن خلدون" لمؤسسة "فنون وثقافة"، لتقديم 19 مسرحية لتعاونيات وجمعيات ركحية قدِمت من مختلف ربوع الوطن، على غرار "تفضلي يا آنسة" لجمعية "الأنيس" من سطيف، و«كياس ولاباس" لمسرح "الصخرة السوداء" من بومرداس، و«لالونا" لجمعية "موزاييك" من بلعباس، وغيرها. أما ساحة "محمد توري" فستكون مساحة للعمل الجواري، ومأوى ل "مسرح الشارع" بداية من القراقوز، مرورا بالحلقة والقوال، ووصولا إلى الرقص الشعبي. ولا يمكن الحديث عن الفن الرابع بدون ربطه بالجانب الأكاديمي والبحثي؛ حيث ارتأت محافظة المهرجان وضع برنامج خاص، سيتناول بالنقد والنقاش، تجارب مسرحية رائدة في المشهد الجزائري؛ على غرار الفرقة الفنية لجبهة التحرير، و"الموجة"، و"النسور"، و"البليري"، و"مسرح التاج"، و"مسرح السنجاب" وكذا "إفرحونن"، ناهيك عن إثراء مواضيع عديدة؛ على شاكلة "علاقة المسرح بالفنون"، و"المسرحي يستنجد بالرواية"، بحضور أساتذة باحثين ونقاد، وكذا مسرحيين وأدباء. ولأن البداية كانت بتكريم الفنان القدير طه العامري، كان لا بد من استحضار واحد من المبدعين الذين رافقوا مختلف دورات المهرجان، الراحل فاروق درارجة.كما تقام على هامش المهرجان ورشات؛ منها "المسرح الإذاعي" من تأطير المسرحي محمد شلوش في المركز الجزائري للسينما، وورشة "النقد المسرحي" الخاصة بالصحفيين والمهتمين، من تأطير الدكتور حميد علاوي بالمسرح الوطني الجزائري، و«التربية الصوتية" من تأطير الأستاذ عبد الله الحكيم لمداني بالمعهد العالي للموسيقى، وكذا "موسيقى المسرح" من تأطير محمد زامي بالمعهد العالي للموسيقى، و"الحكواتي" من تأطير الراوي ماحي الصديق بالمركز الجزائري للسينما. في لحظات إنسانية استثنائية.. انحناءة تقدير لطه العامري من فوق سنواته الاثنتين والتسعين، لايزال المجاهد والفنان طه العامري ممسكا بخيوط الفن الرابع، ولم يستغن عن تلك الوقفة التي تجمع بين "الهمة" و«الأناقة"، وظل صاحب طلَّة، تمزج بين الحزم والطيبة؛ كيف لا وهو الذي صال وجال رفقة زملائه في الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، حاملا صولحان الثقافة والفنون، ومتشبثا بقضيته وعدالتها، ومانحا "الآخر" فرصة الاقتراب من كفاح ونضال شعب يرفض الخذلان والإذلال. اقشعرت الأبدان، أول أمس، بالمسرح الوطني "محيي الدين بشطارزي"، عند تكريم القدير طه العامري، فكان محط الأنظار، ومحل عناية واهتمام شديدين من لدن الحاضرين؛ حبا فيه، واحتراما له؛ كيف لا وهو قامة تاريخية وفنية، تُحقق الإجماع، ولا يختلف على تفرده وموهبته اثنان. وبما أن الدورة الخامسة بعد العاشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، تتزامن مع الاحتفالات المخلدة لستينية استرجاع السيادة الوطنية، وضعت الفرقة الفنية لجبهة التحرير في صلب الحدث، واختير من مسرحيّيها عبد الرحمان بسطانجي المعروف فنيا ب "طه العامري"، فحُمل على الأكتاف، وصفقت له الأيدي مطولا؛ احتراما للمسار، وعرفانا بالعطاء. وصدح صوت القوال (أحمد تكيرات)، معددا أهم إنجازات الفرقة، وثقلها العالمي. ولأن الحاضر بلا ماض لا مستقبل له، اجتمعت مختلف الأجيال المسرحية على ركح "بشطارزي"، بالرقص والغناء والتهليل، لتنحني أمام "طه العامري" وتكرمه في لحظات استثنائية، امتزجت فيها كل المشاعر والأحاسيس التي تترجم التقدير الذي يحظى به فنيا وإنسانيا، وما كان منه إلا التبسم الممزوج بالثناء. للتذكير، يُعد طه العامري (من مواليد 20 أوت 1927 بحي القصبة العتيق)، ممثلا ومديرا أسبق للمسرح الوطني الجزائري. فنان ملتزم ومناضل في حزب الشعب الجزائري. تعلّم الفن المسرحي على يد محيي الدين بشطارزي. وبدأ مشواره الفني سنة 1947. وشهدت السنوات اللاحقة أداءه عدة أدوار؛ مثل "عطيل"، و«صلاح الدين الأيوبي"، و"الخالدون" وغيرها. وكان العامري من مؤسسي الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني؛ حيث تَواصل مع مصطفى كاتب، والتحق برفاقه في الفن والنضال. ومباشرة بعد الاستقلال، التحق العامري بالمسرح الوطني الجزائري. وشارك في عدة أعمال، ثم التحق بالمسرح الإذاعي؛ حيث أسس فرقة فنية برئاسة حبيب رضا. وعمل طه العامري كممثل ومخرج ومسؤول إنتاج. وواظب على تقديم المسرحيات. وتواصلت المسيرة حتى سنة 1972، ليعود إلى بيته الأول المسرح الوطني كمدير؛ خلفا لمصطفى كاتب في سنوات 1972 – 1973 – 1974، ثم عاد إلى التلفزيون، ليتقاعد بعد مسار حافل.