سجلت الدورة الربيعية للبرلمان التي تختتم أشغالها اليوم، التعاطي مع ثلاثة أحداث رئيسية، جعلت هذه الدورة تتميز عن سابقاتها، علاوة على قيام البرلمان بمهامه العادية، كطرح الأسئلة الشفهية على أعضاء الحكومة وسماع ردود الوزراء عليها، وممارسته الدبلوماسية البرلمانية وإقامة ملتقيات حول قضايا وطنية ودولية. لقد تزامن افتتاح الدورة الربعية للبرلمان مع استعدادات الحملة الانتخابية لرئاسيات 9 أفريل المنصرم، مما توجب على نواب البرلمان بغرفتيه الإنخراط في مجريات هذه الحملة الانتخابية سيما وأن الكثير منهم، أعضاء قياديين في أحزابهم التي ساندت مرشحا ما أوقدمت مرشحا عنها للرئاسيات. وكان طبيعيا أن يأخذ استحقاق وطني بحجم الرئاسيات قرابة نصف دورة البرلمان لفترة الربيع ويشغل صدارة اهتمامات النواب بحيث انتشروا عبر التراب الوطني من أجل تنشيط التجمعات الشعبية لصالح المرشح الذي ساندوه للفوز بالاستحقاق الرئاسي. ومن باب إيلاء العناية الفائقة للانتخابات الرئاسية، عمد البرلمان بغرفتيه إلى إعادة النظر في رزنامة من مشاريع القوانين التي كان بعضها مبرمج للمناقشة والمصادقة عليه في دورة الربيع، بل أن البعض الآخر من هذه المشاريع تم تأجيل برمجته سواء بطلب من الحكومة أو بتقدير من البرلمان، وذلك من أجل فتح المجال للانخراط في حركية إنجاح الاستحقاق الرئاسي ومن ثمة ضرورة إعادة النظر في ترتيب أولويات العمل التشريعي في البلاد خلال هذه الفترة. وانطلاقا من هذه الاعتبارات فتح البرلمان المجال لتكريس نتائج الاستحقاق الرئاسي من طرف مؤسسات الدولة الدستورية حيث قامت الحكومة المنبثقة عن الانتخابات الرئاسية بإعداد مخطط عملها طبقا للدستور المعدل في 12 نوفمبر 2008، وعرضه من طرف الوزير الأول على البرلمان بغرفتيه من أجل المناقشة والتصويت عليه، وهي العملية التي اسغرقت قرابة ثلاثة أسابيع من شهر ماي المنصرم، نال خلالها مخطط عمل الحكومة، موافقة وتصويت البرلمان بغرفتيه. وكان البرلمان قد أولى أهمية بالغة لمخطط عمل الحكومة لأنه كما ينص عليه هذا الأخير، هو تعبير وعود الرئيس الانتخابية وتنفيذها في الميدان على مدار خماسية أخرى تمتد من (2010 إلى 2014)، الشيء الذي أدى بالأغلبية البرلمانية المشكلة من أحزاب التحالف الرئاسي إلى خوض نشاط تحسيسي توعوي داخل البرلمان وخارجه بهدف تعبئة كل الفئات الإجتماعية، وكافة إطارات الدولة ومؤساساتها حول البرنامج الرئاسي المعبر عنه في خطوط عريضة داخل مخطط عمل الحكومة. ولوحظ على البرمان خلال الفترات الفاصلة بين هذه المواعيد والأحداث الهامة في البلاد، أنه استغلها لمساءلة أعضاء الحكومة حول انشغالات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية وكذا استفسار الحكومة عن قضايا وطنية. وسجل في هذا المجال سلسلة من الأسئلة الشفهية طرحها النواب على الوزراء في جلسات علنية، وصل عددها في الجلسة الواحدة بالمجلس الشعبي الوطني إلى أكثر من 12 سؤالا و15 سؤالا في إحدى جلسات مجلس الأمة. وبعد أن نال مخطط عملها، موافقة البرلمان بغرفتيه، تقدمت الحكومة إلى الهيئة التشريعية برزنامة من مشاريع القوانين منها ما كان مؤجلا ومنها ما هو جديد، استقبل البرلمان مؤخرا مشروع قانون يتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، بحيث حظي نص هذا القانون بالمصادقة من طرف غرفتي البرلمان وهو تشريع اقتضته الضرورة والأولوية في دورة الربيع باعتباره يقي الجزائر من انعكاسات استعمال أساليب التكنولوجيا الحديثة في الجرائم الافتراضية أو الإلكترونية وهي جرائم عابرة للأوطان على غرار ظاهرة الإرهاب، غسيل الأموال، تجارة المخدرات وعليه، فإن المصادقة على هذا القانون من طرف البرلمان يندرج مثلما أكدته الحكومة والنواب على حد سواء في إطار تعزيز المنظومة القانونية لمكافحة مثل هذه الجرائم وتطويقها بعد كل الإجراءات والآليات التي جاء بها نص قانون العقوبات المعدل والمتمم لسنة 2004، وقانون محاربة الرشوة والفساد وكذا قانون الإجراءات الجزائية الجديد الذي دخل حيز التطبيق في أفريل الماضي. ومن نشاط البرلمان في دورته الربيعية، نسجل أيضا استقباله للوفود البرلمانية الأجنبية وإجراء محادثات معها بشأن تعزيز التعاون البرلماني وبعث وتفعيل علاقات التعاون، مثلما كان الأمر مع رئيس مجلس الشيوخ الإسباني، ورئيس المجلس الاستشاري الأندونيسي إضافة إلى استقبال وإجراء محادثات مع وفود برلمانية وسياسية أخرى من دول أخرى مثل فرنسا، ايطاليا، الفيتنام، وتم إنشاء جمعيات الصداقة البرلمانية مع كثير من برلمانات هذه الدول وغيرها. كما احتضن البرلمان، فعاليات أيام إعلامية ودراسية حول مواضيع وطنية مثل المجتمع المدني وتعزيز سياسة الدفاع الوطني، ترقية حقوق المرأة السياسية، إضافة إلى تنظيم ملتقيات لدعم نضال الشعبين الصحراوي والفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال.