تتواصل جهود المجتمع الدولي لإرسال مساعدات عاجلة إلى ليبيا لإغاثة منكوبي الفيضانات المدمرة التي اجتاحت مناطق شاسعة من شرق البلاد، الأحد الماضي، مخلفة آلاف القتلى والمفقودين، فيما اتخذت السلطات في هذا البلد عدة إجراءات في محاولة لاحتواء آثار الوضع الكارثي غير المسبوق. حسب آخر إحصاء رسمي مؤقت لضحايا السيول والفيضانات الناجمة عن إعصار "دانيال" العنيف والذي تسبب في انهيار سدين في مدينة درنة، فإن أكثر من 5500 شخص لقوا مصرعهم و أصيب أزيد من 7000 آخرين بجروح، فضلا عن تشريد ما يفوق عن 30 ألف شخص. كما تتحدث تقارير عن فقدان آلاف الاشخاص واختفاء أحياء سكنية بأكملها في مدينة درنة، بعد أن جرفتها السيول إلى البحر مع سكانها، فيما توقعت مصادر مختلفة أن يكون رقم الضحايا مضاعفا، لما تم الإعلان عنه رسميا حتى الآن. في هذا السياق، وصف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، أول أمس، حجم كارثة الفيضانات في ليبيا بأنه "صادم ومفجع"، مشيرا إلى أن "السيول مسحت أحياء بأكملها من الخريط. كما جرفت المياه عائلات بأكملها على حين غرة، ومات الآلاف وأصبح عشرات الآلاف الآن بلا مأوى، كما لا يزال كثيرون آخرون في عداد المفقودين". وأشاد غريفيث بجيران ليبيا، ومنهم الجزائر، والدول الأخرى التي سارعت إلى التحرك وأرسلت فرق البحث والإنقاذ والأطباء والإمدادات. وكانت الجزائر من الدول السباقة للاستجابة لنداء السلطات الليبية بتقديم المساعدات لها لمواجهة آثار الكارثة غير المسبوقة في تاريخ البلاد، حيث أرسلت ثماني طائرات لدولة ليبيا تحمل مختلف المساعدات ورجال الانقاذ من خلال الجسر الجوي الذي أقره رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، فضلا عن تنقل وفد وزاري إلى ليبيا. إلى ذلك، ذكرت الأممالمتحدة أنها متواجدة على الأرض وتعمل على نشر فريق قوي لدعم الاستجابة الدولية بالتنسيق مع السلطات الليبية والدول التي بادرت بتقديم المساعدات. كما أعلنت عن تخصيص مساعدات طارئة لليبيا بقيمة 10 ملايين دولار، لدعم جهودها الإغاثية عقب عاصفة ''دانيال". وبينما اعتبر مارتن غريفيث أن "أهم مهمة الآن" هي منع انتشار الأمراض، مناشدا العالم بتقديم المزيد من المساعدات والتبرعات لدعم جهود الإغاثة والبحث عن المفقودين، رأت منظمة الاممالمتحدة للطفولة "يونيسف" أن "الأولوية هي زيادة المساعدات المنقذة للحياة، ولا سيما توفير إمدادات الصحة والمياه والصرف الصحي والدعم النفسي والاجتماعي والبحث عن الأسر المفقودة والوقاية من الأمراض المنقولة بالمياه". وذكرت "يونيسف" أنها تحتاج إلى ما لا يقل عن 6,5 ملايين دولار للتدخلات العاجلة المنقذة للحياة ولا سيما لمساعدة الاطفال الليبيين. من جهته، قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر، على لسان رئيس بعثته في ليبيا، تامر رمضان، أن "الاحتياجات ضخمة" وأن مياه الفيضانات انحسرت، تاركة الجثث في الشوارع والمباني بما في ذلك المستشفى الوحيد في درنة، مشيرا إلى أن هناك علامات إيجابية على التضامن، كما أنه من شأن نداء الاتحاد الدولي لجمع 10 ملايين فرنك سويسري أن يساعد في ذلك. إجراءات لاحتواء آثار الوضع الكارثي تسابق السلطات الليبية الزمن لاحتواء الوضع المأساوي الذي خلفه اعصار "دانيال"، حيث اتخذت عدة اجراءات للتخفيف من آثار الكارثة التي قال مراقبون إنها تتطلب أشهرا وسنوات لتجاوزها. في هذا السياق، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، أن "الأولوية الآن هي الاهتمام بأهالي الضحايا في مدينة درنة وغيرها من المناطق المنكوبة"، مشيرا الى إنقاذ 300 مفقود، إلى جانب اكتشاف أن "عقود صيانة السدود لم تستكمل". وعليه، أمر الدبيبة بفتح تحقيق عاجل في أسباب انهيار سدي درنة إثر الإعصار، علما بأنهما كانا من أسباب الكارثة، حيث لقي الآلاف مصرعهم في هذه المدينة المنكوبة. وأظهرت صور جديدة للأقمار الاصطناعية تغير معالمها بعد الكارثة. بدوره، تحدث مسؤول ليبي عن صعوبة جمة في الوصول لبعض المدن والأماكن المتضررة من الفيضانات في المنطقة الشرقية للبلاد ومنها درنة، جراء انهيار معظم الجسور والطرقات والعبارات المائية الرابطة بينها. وقال رئيس مصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية، الحسين السويدان، في تصريح للصحافة أن مصالحه تعمل حاليا على إيجاد طرق ومسارات أخرى بديلة للدخول لدرنة وللمناطق والمدن التي انهار بعضها بشكل كامل، لكي تتمكن فرق الإنقاذ والمساعدات من الوصول إليها. كما قرّرت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تعليق الدراسة لمرحلتي التعليم الأساسي والمتوسط في كامل البلاد اعتبارا من أول أمس الخميس وحتى تاريخ 23 سبتمبر الجاري، مراعاة للظروف المأساوية في أعقاب الفيضانات والسيول العارمة. ونظرا لحجم الكارثة التي خلفتها الفيضانات في بلاده، اعتذر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عن المشاركة في أعمال الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنطلق أشغالها يوم 19 سبتمبر الجاري. وقال الدبيبة في رسالة الاعتذار، وفق ما نشرته منصة "حكومتنا" (تابعة لحكومة الوحدة المعترف بها دوليا) أن "ما تمر به البلاد من أحداث مؤلمة، يحول دون إمكانية مشاركة رئيس الوزراء بصفته وزير الخارجية والتعاون الدولي المكلف في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة". يذكر أن الأجهزة الليبية لم تتمكن حتى اليوم من حصر الضحايا جراء عاصفة "دانيال" التي وصفت بأنها "أكبر كارثة من نوعها" تشهدها البلاد منذ 40 عاما.