تحتفي وزارة الثقافة والفنون في الجزائر، عبر مؤسساتها بالكتاب وصناعه، من خلال التعريف والتكريم وفتح النقاش، عبر برنامج كبير هو "منتدى الكتاب"، ومن صناع الكتاب، نجد فئة الأساتذة الجامعيين، فماذا فعلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع أساتذتها وكتابتها ومبدعيها؟ لقد كرمت وزارة الثقافة الدكتور والأديب عبد الملك مرتاض، في حفل كبير، شهد تقديم المداخلات والشهادات عن الرجل وأعماله الكثيرة، كما أكرمت مكتبات المطالعة أهل الكتاب عبر الولايات، مع بداية شهر أكتوبر، في منتدى الكتاب، لكن قليلا ما نسمع عن أستاذ أو باحث جزائري قدم كتابه في مدرج جامعي أمام الزملاء والطلبة ورجال الإعلام، وهذا أمر غريب، وغير منطقي، ولا يقبله العقل، فكيف لم تنتبه الجامعات ومراكز البحث للأمر، في ظل تراكم إصدارات الكتاب الجامعي الجزائري المتخصص، حيث نجد الأستاذ يكتب ويؤلف في تخصصه، ثم يتجه إلى المكتبات ليضع العمل، ويتفاعل مع دار النشر والإعلام لوحده، ويبحث عن بيع كتابه وتسويقه لوحده، دون أن تساعده المؤسسة العلمية التي ينتمي لها!! وقد يهدي نسخا من كتابه لمكتبة الجامعة، لكن دون أن ينتبه أي واحد من مسؤولي المؤسسة (التي يدرس فيها الأستاذ) لأهمية الاحتفاء بالكتاب وتكريم صاحبه، وتسويق كتابه داخل الفضاء الجامعي.. ونحن نجد المكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية، وهي تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون، تحتفي وتكرم أساتذة الجامعات... وتعرف بإصداراتهم.. ولها كل الشكر والثناء.. وإني أشهد أن المكتبة الرئيسية المطالعة العمومية "نور الدين صحراوي" بسكيكدة، تنجز عملا ثقافيا حضاريا كبيرا منذ سنوات، للارتقاء بالكتاب والاحتفاء بأهله محليا ووطنيا، من عهد الأستاذ عبد العزيز بوحبيلة، وصولا للسيد المدير الحالي محمد جابة، بدعم من الجمعيات والأدباء والباحثين. لكن في هذا السياق... أتساءل: لماذا لا تبادر الجامعات الجزائرية بندوة الكتاب، للتعريف بإصدارات الباحثين وتعريف الأسرة الجامعية بها؟ أم أن سياسة الرقمنة وخطواتها تناقض تأليف الكتاب العلمي أو الثقافي؟ هنا يلح السؤال: ألا نجد مبادرات حول "ندوة الكتاب الإلكتروني" مثلا؟ وماذا عن المطبوعات البيداغوجية التي يؤلفها الأساتذة، ويتحصلون بها على الترقيات، ثم لا يقرأها أحد، وقد يطبعها الأستاذ من ماله الخاص عند دار نشر، لكن لا يسمع بها الطلبة، ولا يجدون الطريق لشرائها، إلا إذا أخبرهم الأستاذ داخل القاعة؟! ولا أظن أني قرأت في يوم ما، عن تهنئة مؤسسة جامعة لأحد أساتذتها، بمناسبة إصداره لكتاب ورقي أو إلكتروني في صفحتها الرسمية للفيسبوك مثلا!!! ومن النادر أن نقرأ إعلانا في صفحات الجامعات والكليات والأقسام عن ندوة، للتعريف بكتاب علمي جديد لأحد أساتذتها!! ويمكن أن نطرح سؤالا: ألا يوجد إطار تنظيمي لتقوم المكتبات الجامعية بمهام عقد ندوة الكتاب لأساتذة الجامعة؟ أم أن مهامها هي تقديم الكتاب للباحثين والطلبة من الرصيد الوثائقي فقط، ولا تعنيها قضية تنظيم ندوة لأستاذ ينتمي للجامعة، ليلتقي بالقراء ويبيع بالتوقيع، ويشرح كتابه، عبر لقاء علمي حواري مع زملائه وطلبته؟! دائما أتساءل: هل تقوم مصلحة النشاطات الثقافية في الإقامات بتنظيم" ندوة الكتاب"، لتعريف الطلبة بكتب أساتذتهم، وفتح النقاش حول مضامينها؟ أم هل تقوم المدرية الفرعية للأنشطة الثقافية بهذا البرنامج؟. ثم... ألا توجد في الكليات أو الأقسام مصالح أو هيئات تتكفل بهذا البرنامج؟ وما موقف الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية من مسألة إيصال الكتاب، وربط علاقة تسويق وتعريف بين صاحب الكتاب والقراء؟ ألا توجد نشاطات وندوات لفروع الديوان عبر الوطن..لربط حلقة (ممزقة) بين الأستاذ وطلبته، لكي يقول لهم؛ إني قد كتبت هذا الكتاب الورقي أو الإلكتروني، ونحن نعلم أن الديوان ينشر المثير من الإصدارات في مجالات مختلفة (لغة، أدب، اجتماع، اقتصاد، هندسة، تكنولوجيا، فلاحة، نفس، حقوق، رياضيات، تاريخ، شريعة، إعلام واتصال…)، دون أن ننسى التأليف الإبداعي والفني (شعر، رواية، مسرح، سينما..). ولماذا يظل الأستاذ حاملا كتابه، ومتجولا بين المؤسسات الثقافية، وباحثا عن الإعلام والاتصال، وشبكات التواصل، ليقول: ياناس.. هذا كتابي"، في حين تتجاهله المؤسسة التي ينتمي لها، وقدم لها الكثير، وساهم في رقيها وتطويرها لسنوات. أقول بأسف وألم: إني أعرف أساتذة رحلوا عن عالمنا، أو خرجوا للتقاعد دون أن تنظم لهم جامعاتهم جلسة بسيطة، للتعريف بكتبهم وأعمالهم العلمية، ودون أن يعرف الطلبة أن أستاذهم قد كتب كتابا، إلا في حال نال التكريم من خارج جامعته، أو ربما من خارج وطنه، بل قد يكرم خارج الوطن وتظل مؤسسته العلمية التي يعمل فيها لا تهتم بكتابه أو إبداعه العلني أو الثقافي أو الأدبي. أخيرا... لكل ما سبق ذكره، أقترح على البروفسور كمال بداري، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن يتكرم ويبادر بالطلب من الجامعات ومراكز البحث الوطنية لتنظيم "ندوة الكتاب"، لكي يمنح روحا جديدة للجامعات، ويفتح النقاش حول كتب الأساتذة في تخصصات متعددة، ويرسخ تقليد الشكر والتكريم لإطارات الجامعة الجزائرية، ويضيف علامة جودة وحكامة، لعلامات أخرى، برزت مؤخرا في الوزارة وفي الجامعات عبر الوطن...