ما يزال الفنان التشكيلي فيصل بركات يكافح بلوحاته، من أجل تخليد تراث مدينته بسكرة، الذي زال منه الكثير وبقي البعض منه متشبثا بالرغبة في البقاء، وهكذا يعرض العديد من أعماله برواق "محمد راسم"، تحت عنوان "لون وأصالة". تحدث الفنان التشكيلي فيصل بركات ل"المساء"، عن حبه للألوان التي يضعها في لوحاته بأسلوب انطباعي محض، حتى لمسات ريشته لم تسلم من هذا الأسلوب الذي يعشقه حقا، ولا يرى نفسه يحيد عنه، نعم فرغم أنه يرسم المناظر الطبيعية والمعالم الأثرية، إلا أنه لا يبتغي تجسيدها على الورق أو القماش بالأسلوب الواقعي، وإلا لفضل التقاط صور بدلا من رسم لوحات. أما عن كفاحه من أجل الحفاظ على تراث بسكرة، فتلك رسالته الفنية التي يمارسها منذ مدة، فابن الزيبان يريد أن يحتفظ بمعالم بسكرة، خاصة تلك الآيلة للزوال، من خلال رسمها، ليوجه رسالة فنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالقرى المبنية من الطوب والطين مثلا، هجرها أصحابها وزعزع بنيانها، ولم يبق إلا القليل منها متماسك ويرفض الاستسلام. أغلب اللوحات المعروضة في "راسم"، مائية، عكس ما كان يحدث عادة في معارض فيصل بركات، والتي كان يغلب عليها اللوحات المرسومة بالأسلوب الزيتي، رسمها عن حديقة "لاندو" ثاني أكبر حديقة في الجزائر، ومشونش مسقط رأس الشهيد العقيد حواس، وبرانيس والدشرة الحمراء وشتمة وبوخالفة والقنطرة ومنعة وغيرها. كما استعمل الفنان في أعماله، كمّا هائلا من الألوان، خاصة الباردة منها، وضعها بتناسق رهيب بعيد تماما عن كل عفوية، فلكل لون مكانه الخاص، لم يكن من الممكن أن يكون في مكان آخر، وما زاد الألوان قوة، انطباعيتها التي أبرزت سحرها، وضبابيتها التي زادتها غموضا. وفي هذا قال الفنان "أختار الألوان في لوحاتي بشكل مدروس للغاية، وهناك العديد من الألوان موجودة في الطبيعة، لكنها حسية لا يشعر بها إلا الفنان، فيستخرجها في لوحاته، إذ يمكن لنا مثلا، رؤية جبل من بعيد بلون بنفسجي أو أزرق، لكننا حينما نقترب منه، نراه في صورته العادية". أما عن اعتماد فيصل على صوره لرسم اللوحات، وإمكانية تغير ألوان الموضوع في حال ما لم تكن الصورة الملتقطة جيدة، قال الفنان إنه يعرف الأمكنة التي يأخذ الصور عنها، بالتالي لا تخفى عليه ألوانها الحقيقية التي يجسدها على اللوحة. ورسم الفنان بالأسلوب المائي، العديد من اللوحات، من بينها لوحة عن "الغوفي" التي رسمها مع غروب الشمس، فظهرت السماء صفراء، ورسم أيضا لوحة عن "شتمة" القرية التي صورت فيها مشاهد فيلم" كرنفال في دشرة"، ليعود ويؤكد أهمية الحفاظ على تراث بسكرة المهدد بالاندثار، حتى الساقيات لم يعد ماؤها رقراقا مثلما كان عليه الأمر من قبل. فهل سيحتفظ بهذا التراث فقط في الصور التي التقطها عنه، في حال زواله أو بيع اللوحات التي رسمها عنه؟، يتساءل فيصل. رسم بركات أيضا، بتقنية الأكوارال، لوحات عن "الغوفي"، التي ظهر وادها أزرقا غامقا، والقنطرة والدشرة الحمراء المعروفة جدا وساقية مشونش، حيث يلجأ إليها البسكريون في الصيف، وحديقة "لاندو" وغيرها. كما رسم الفنان بالأسلوب الزيتي، عدة لوحات، من بينها لوحة عن حديقة "لاندو"، رسمها من خلال صورة التقطها عن المكان، وكذا لوحة عن غابة برانيس، التي أبرز فيها ساقيتها الرقراق، وثالثة عن مكان في وسط المدينة بجانب وادي سيدي زرزور، ورابعة عن غابة بوخالفة التي هجرها سكانها، رسمها الفنان تحت المطر. وأخرى عن وادي القنطرة رسمها خلال شروق الشمس، معتمدا هذه المرة على صورة صديق له. أيضا لوحة عن مشونش التي استعمل فيها اللون البنفسجي، الذي يظهر من خلال انعكاس ضوء الشمس على الصخور. وكذا لوحة عن وادي العرب بخنقة سيدي ناجي، رسم فيها صخرة كبيرة، وكأنها ستخرج من إطار اللوحة. "هذا ما تبقى من الدار" عنوان لوحة معروضة لفيصل، رسمها عن بيت مهجور بمليلي، بالقرب من طولقة، وفي هذا قال "أرسم لكي أسجل وأؤرخ للأماكن ببسكرة، التي ستندثر حتما"، وأضاف "أرسم أيضا الأماكن السياحية الأصيلة مستعملا في ذلك الألوان الحسية والمرئية، لهذا أطلقت على معرضي هذا عنوان (لون وأصالة)". بالمقابل، للبهجة أيضا نصيبها من لوحات فيصل، مثل لوحة عن القصبة وأخرى عن البريد المركزي وثالثة عن المسمكة وغيرها.