حمل الفنان فيصل بركات حنين أماكن مدينته بسكرة للعاصمة ليعيد ما كان من أيام كانت فيه عاصمة الزيبان من أشهر مدن العالم، فقد حطّ بأماكنها المزدهرة الملوك والفنانون والمستشرقون وغيرهم، ولا تزال بعض أسماء الأماكن تطلق على منجزات في بلاد الغرب، فبسكرة تظل صورة للذاكرة الجميلة التي فقدت مع السنين بريق معالم هذه الوجهات. استقبل الفنان بركات "المساء" في معرضه "حنين الأماكن" الذي احتضنه رواق "عائشة حداد"، مؤخّرا، متحدّثا عن لوحاته ال38 التي لا مكان فيها سوى لمسقط رأسه بسكرة، وكذا بعض اللوحات الخاصة بمدينة الجزائر البيضاء. وقال "اخترت هذا العنوان لمعرضي لأنّ كلّ إنسان منا له علاقة بمكان ما ارتبط به سواء كان مسقط رأسه أو مكان ما اكتشفه بعد زيارة أو عطلة أو غيرها، وبالتالي بقي راسخا في مخيّلته عبر الأيام والسنين يتذكّره كلّ حين ويسترجع معه الذكريات، لذلك أرى أنّه لولا وجود المكان لما كان هذا الشوق والحنين". أكّد الفنان أنّه تناول في معرضه مدينته بسكرة بكلّ ما تمثّله من تاريخ وتراث وطبيعة ذات الجبال والواحات والوديان الجارية وغيرها، لذلك عرض مثلا بعض الأماكن المشهورة في بسكرة منها حديقة اللاندو، ومنطقة القنيطرة المشهورة كأكثر من نار على علم والتي تعرف بأنها بوابة بسكرة، ثم منطقة شتمة البعيدة عن مركز الولاية ب5 كم والتي صوّر فيها فيلم "كارنفال في دشرة". تناول الفنان هذه المعالم في العديد من لوحاته اهتماما بتاريخها، وكدعوة لإحياء تراثها وصونه من كلّ اندثار أو إهمال رغم أنّ العديد من هذه المعالم، حسبه، ضاع مع السنين، ومما رسمه جنينة اللاندو وهي الثانية وطنيا بعد حديقة الحامة وبها تنوّع بيئي غنيّ، حيث جيء بالأشجار والنباتات من كلّ أنحاء العالم، إضافة إلى ورشة رسم شهدت توافد الفنانين العالميين منذ القرن ال19، كذلك فندق فيكتوريا نسبة لملكة بريطانيا التي كانت تقضي عطلتها ببسكرة، علما أنّ هذه الأخيرة كانت تقيم بفندق "بالاس" ببسكرة، كذلك محطة القطار التحفة الفنية المعمارية، وكذا فندق "روايال" الأكبر في إفريقيا الشمالية ب360 غرفة، والذي شهد الإهمال وبالتالي الضياع، كما أنّ تراث المشاهير العالميين ضاع بالمدينة منهم الكتّاب والفنانون كالروائي اندري جيد مثلا. أشار الفنان إلى أنّ بسكرة كانت توصف فيما مضى ببوابة الصحراء مثل بوسعادة مثلا نظرا لهوائها العليل وجبالها ووديانها، ولذلك سلبت الرحالة والمستشرقين وتقام لها المعارض الدولية عبر العالم إلى اليوم. عن الأسلوب الفني المستعمل في اللوحات، قال الفنان إنّه استعان بالمدرسة الواقعية والانطباعية التي هو من عشّاقها، كما تتلاءم وموضوع المعرض، فالتراث مثلا يحتاج لهذا الأسلوب، علما أنّ هذا الأخير محبوب ومطلوب من الجزائريين ومن جامعي التحف الفنية، وأضاف "هذا الأسلوب مفهوم وملموس يراه المشاهد ويقتنع به كونه مستوحى من الواقع، وبالتالي يتعرّف عليه فورا عندما يرى مكانا من الأمكنة أو قطعة من التراث كالحايك أو البرنوس أو القصبة أو مقام الشهيد وهكذا". بالنسبة لتكوينه الفني، قال فيصل بركات إنّه عصامي التكوين، مؤكّدا أنّ العصاميين هم مؤسّسو المدارس الفنية كالواقعية مثلا، لكن ذلك لا يمنع، حسبه، من التكوين بالمعاهد الفنية الأكاديمية، زيادة على البحث الذي هو مطلوب لتحسين الأداء والمضمون والأسلوب الفني والذي ربما قد يساعد الأجيال الصاعدة في الاستلهام منه والبحث فيه إذا ما كان جيدا. أكّد بركات أنّه استعمل الألوان المائية على الورق والزيتية على القماش في لوحات ذات أحجام متفاوتة، علما أنّه غالبا ما يستلهم ألوانه من الواقع الحي لكن بلمسة خاصة منه، حيث يبرز ميوله للبنفسجي مثلا والأزرق والأخضر، مع الحرص على حركة اللوحة منها ما يتجلى في لوحة "واد غوفي" المشهور، حيث يرى جريان النهر، وهذه المنطقة بها جبال وواحات غنّاء وذات مناخ شبه صحراوي وهي سياحية بامتياز، ويهتم أيضا بالتفاصيل التي تعطي جمالا أكبر وعمقا للوحة. من جهة أخرى، هناك مكان محجوز في معرض بركات للبهجة البيضاء ابتداء من القصبة والحامة والميناء حيث تبدو سماء العاصمة صافية، وأبنيتها القديمة بيضاء وعاداتها وتقاليدها حية تنعم بالتجديد.