تعوّل الجزائر على مشروع إعادة تأهيل السد الأخضر، في تحقيق عدة أهداف إيكولوجية، واقتصادية، واجتماعية؛ بإعادة بناء هذا الحزام الواقي من "غزو الرمال" بتوليفة جديدة، تراعَى فيها النجاعة، وتعدد المنافع. وقد أُعدت، في هذا الشأن، دراسات حديثة، أخذت في الحسبان الأسباب التي تضمن ديمومة الغطاء الأخضر، والمساهمة في الأمن الغذائي، وتوفير مناصب شغل دائمة، مع تثبيت السكان بمناطقهم. وإذ يحرص رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون على إعطاء هذا المشروع الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين، أبعاده النفعية المتكاملة، فقد استنفر لأجله كل القطاعات المعنية، والهيئات المنسقة مع قطاع الفلاحة؛ ليكون إضافة أخرى للمشهد الاقتصادي والاجتماعي. هكذا يجري تأهيل مشروع السد الأخضر مصدات للرمال ودعم فلاحي للسكان المجاورين للسد ❊ 15 وزارة في "هيئة التنسيق" لتنفيذ آليات المشروع الواعد يأتي مشروع إعادة تهيئة السد الأخضر تطبيقا للتوجيهات المعتمدة خلال اجتماع مجلس الوزراء في 30 أوت 2020؛ حيث أمر رئيس الجمهورية بإعادة إطلاق مشروع السد الأخضر كأولوية لمكافحة التصحر؛ كهدف إيكولوجي، وتحقيق منافع أخرى اقتصادية واجتماعية، تضمَّنها المخطط الجديد، الذي تم إعداده ليكون مكملا للنشاط الفلاحي، واستغلال كل الأراضي الواقعة على حواشي السد، في توفير منتوجات فلاحية، وخلق مناصب شغل للسكان المجاورين. تفيد المعلومات المستقاة من المديرية العامة للغابات، بأن مشروع السد الأخضر الذي أعطى إشارة انطلاق إعادة تأهليه رئيس الجمهورية، عن المجيد تبون من ولاية الجلفة في 29 أكتوبر من السنة الماضية، يغطي 4.7 ملايين هكتار. ويقدر طوله ب 1500 كلم من الحدود الشرقية إلى الحدود الغربية. ويصل عرضه إلى 20 كلم. ويقع في حدود خطوط الأمطار ما بين 300 ملم شمالا و200 ملم جنوبا. ويكتسي السد الأخضر أهمية كبيرة؛ لكونه يتربع على مساحة 1200 منطقة ب 183 بلدية ب 13 ولاية. ويمس 7 ملايين نسمة، موزعين على ولايات تبسة، وخنشلة، وباتنة، وبسكرة، وسطيف، وبرج بوعريريج، ومسيلة، والبويرة، والمدية، والجلفة، والأغواط، والبيّض والنعامة. وقد رسمت الدولة عدة أهداف على رأسها مكافحة التصحر. وفي هذا الشق تفيد معلومات مديرية الغابات، بإعادة تشجير الغابات المتدهورة عن طريق غرس الأنواع المناسبةك لمكافحة التصحر، وانجراف التربة، ومنع الزوابع الرملية، وكذا الحد من الاحتباس الحراري، وتثبيت ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن تعزيز قدرة السكان المحليين على مواجهة تغير المناخ؛ من خلال التسيير الراشد للسهوب، والمراعي. أشجار غابية مقاومة للجفاف وأخرى مثمرة مقتصدة للماء أما بخصوص منافع السد الأخضر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فإن المخطط يهدف إلى استصلاح من خلال إنجاز هياكل قاعدية، وغرس الأشجار المثمرة، وخاصة المقاومة منها للجفاف، لصالح السكان المعنيين.وتشير دراسات الجدوى لهذا المشروع، إلى خلق 10 آلاف منصب عمل في السنة، علما أن مخطط العمل يضم مختلف مؤسسات وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، وهي محافظات الغابات، ومديريات المصالح الفلاحية، والمحافظة السامية لتطوير السهوب. ويحتوي مخطط العمل على عمليات الغراسة، وتنويع أصناف التشجير، واستعمال أصناف مقاومة للجفاف وسريعة النمو وذات قيمة اقتصادية، إلى جانب غرس أشجار مثمرة مقتصدة للماء، حسب طلبات السكان؛ من أجل تحسين المستوى المعيش للساكنة، وتعزيز قدرتهم على مواجهة التغير المناخي؛ ما سيسمح بتطوير صناعات تحويلية، وخلق فرص عمل جديدة في المنطقة، وتحقيق انتعاش اقتصادي. ويتضمن مشروع السد الأخضر بالمناطق السهبية، زراعة الأنواع العلفية والرعوية لزيادة الوحدات الرعوية بهذه المناطق، ووضعها تحت الحماية لفائدة الموالين؛ ما ينمّي النشاط الرعوي والنشاطات الناتجة عنه، لا سيما صناعات الألبان ومشتقاتها، فيما تتمثل العمليات الهيكلية الموجهة لصالح السكان المحليين لإنجاح مشاريع الغراسة، في إنجاز نقاط للمياه؛ كالآبار، والآبار الارتوازية، والمحاجر المائية، والسدود؛ لتوفير هذه المادة الحيوية للسكان، والماشية، وضمان عملية السقي، وتوفير الكهرباء والطاقة الشمسية؛ لتحسين الظروف المعيشية للسكان، وفك العزلة عنهم، وتحقيق تنمية مستدامة. 15 وزارة في "هيئة التنسيق" لتنفيذ آليات المشروع الواعد وضعت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية عدة آليات لتنفيذ هذا المشروع الواعد؛ حيث تم إنشاء الهيئة الوطنية للتنسيق لمكافحة التصحر، وإعادة بعث السد الأخضر، استنادا إلى المرسوم التنفيذي 20/213 المؤرخ في 30 جويلية 2020.وتضم هذه الهيئة 15 وزارة و11 هيئة، بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني. وتشترك كل القطاعات في لعب دور المحفّز في تطوير وتنفيذ وتقييم البرنامج الوطني لمكافحة التصحر وإعادة تشغيل السد الأخضر؛ حيث تُعَد وزارة الفلاحة الفاعل الرئيس في هذا المشروع؛ باعتباره يدخل في صميم تخصصها. وتنسّق مع باقي القطاعات؛ منها: المواد المائية، والصناعة، والبيئة، والتعليم العالي، والتكوين المهني، والدفاع الوطني... وغيرها.وحسب مديرية السد الأخضر، فإن إنشاء لجنة التنسيق سيتبعه إنشاء لجنة علمية بالتنسيق مع المعهد الوطني للأبحاث الغابية، يتم من خلالها إنشاء اللجان المحلية بالولايات ال 13، التي ستكون مسؤولة عن تنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة التصحر، وإعداد خطة العمل لإعادة تأهيل وتوسعة وتطوير السد الأخضر، والتي تتألف من ممثلين عن المجتمع المدني؛ للتقرب أكثر من انشغالات واحتياجات الساكنة المحليين. كما تدعم اللجنتين السابقتين لجنةُ التوجيه للسد الأخضر، التي أنشئت بقرار وزاري رقم 547 في 21 جوان 2022، عقب المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 202203 05، المكرس لفحص خطة عمل إعادة تأهيل وتوسيع السد الأخضر؛ لكونها مسؤولة عن مراجعة مشروع إعادة تأهيل السد الأخضر، واقتراح تحسينات على هيكله وطرق الإشراف عليه، وضمان المراقبة الدائمة لتنفيذه، وتقديم تقرير عنه. وتتكون اللجنة من ممثلين عن الوزارات التالية: الدفاع الوطني، والعدل، والداخلية، والتعليم العالي والبحث العلمي، والتربية الوطنية، والبيئة، والموارد المائية، ووزارة الفلاحة والتنمية. "بنيدر" لدراسة ومتابعة أشغال تهيئة السد وقد أُبرمت صفقة بين المديرية العامة للغابات والمكتب الوطني لدراسات التنمية الريفية (BNEDER)؛ لدراسة الجدوى والتنفيذ، ورصد وتقييم خطة العمل المتعلقة بإعادة تأهيل وتوسعة وتطوير السد الأخضرعلى مدار 40 شهراً. وهي صفقة عقد بالتراضي بقيمة تفوق 684 مليون دينار، فيما تمت المصادقة على الشطر الثاني من مخطط العمل (2024)، في شكل برنامج لا مركزي، يشمل 13 ولاية، بغلاف مالي قوامه 5.7 ملايير دينار، تم من خلاله التعاقد مع 125 مقاولة لإنجاز الأشغال. وزارة الفلاحة تتابع عن كثب سير المشروع تسريع وتيرة الغراسة... حشد المياه وفتح المسالك تتابع وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عملية إعادة تأهيل السد الأخضر؛ حيث عقد وزير القطاع، يوسف شرفة، اجتماعا في أوت الماضي، تم خلاله مناقشة مشروع السد الأخضر، وتقييم مدى تجسيد مختلف العمليات المسجلة في إطار إعادة بعثه لسنتي 2023 و2024، وكذا تحضير البرنامج المسطر لسنة 2025. وأكد الوزير شرفة، حينها، على الأهمية التي يكتسيها مشروع السد الأخضر الذي يندرج ضمن أولويات السلطات العليا للبلاد؛ نظرا لأبعاده البيئية والاقتصادية، داعيا إلى الإسراع في وتيرة إعادة بعثه، وتوسيعه. ومن بين النقاط التي شددت عليها وزارة الفلاحة في الاجتماع المذكور، تسريعُ وتيرة إنجاز العمليات الأساسية المبرمجة لسنتي 2023 و2024، لا سيما ما تعلق بعملية الغراسة، ونقاط حشد المياه، وفتح المسالك، وأشغال التهيئة، وكذا الشروع فورا في تحضير برنامج العمل الخاص بسنة 2025.ومن بين النقاط الهامة التي ركز عليها المسؤولون، إدراج المؤسسات الصغيرة والمصغرة المحلية، لتسريع وتيرة الإنجاز. للإشارة، حضر هذا الاجتماع الدوري كل من محافظي الغابات، ومديري المصالح الفلاحية المعنية بهذا المشروع الاستراتيجي (13 ولاية)، وكذا إطارات المديرية العامة للغابات، ومجمع الهندسة الريفية (GGR)، والمكتب الوطني للدراسات الخاصة بالتنمية الريفية (BNEDER)، والمحافظة السامية لتطوير السهوب (HCDS). السّد الأخضر في سطور ●● كان منطلق التفكير في هذا المشروع سنة 1967 م، عندما لاحظ المسؤولون آنذاك، تسارع زحف الرمال نحو الشمال بنسبة مذهلة، مهددا الأراضي الخصبة القليلة التي كانت تُستغل في الزراعة، والتي لم تَسلم بدورها، من همجية الاستعمار، الذي عكف في استراتيجيته التدميرية، على القضاء على كل ما هو أخضر في المنطقة؛ استجابة لحاجيات الحرب. ●● انطلق المشروع فعليا سنة 1970م بقرار 23 جوان 1970، وذلك بغرس أولى أشجار الصنوبر الحلبي؛ حيث وضع حينها الرئيس الراحل هواري بومدين، على عاتق أفراد الجيش الوطني الشعبي الجزائري الفتي، مسؤولية السهر على إنجاز هذا المشروع العملاق. وجنّد له أكثر من 21 ألف جندي، تداولوا على فترات في غرس كميات هائلة من الشجيرات. كما ساهمت عمليات التطوع التي كان يقوم بها أفراد من المجتمع المدني، في الإسراع من وتيرة الغرس. وقد حقق هؤلاء إنجازا معتبرا بفعل تشجير ما مقداره 510 ألف هكتار. ●● تم تنفيذ المشروع على عدة مراحل؛ حيث كانت المرحلة الأولى تمتد من 1970م إلى 1980م، والتي عرفت بداية عمليات الغرس المكثف. فكانت الثانية الممتدة من 1981م إلى 1991م، مرحلة تصحيح أخطاء المرحلة الأولى على قاعدة التقارير الكمية والنوعية. ومن أهم ما جاء فيها اقتسامُ دور تسيير المشروع بين شباب الخدمة الوطنية ومصالح الغابات. وتم إقرار تنويع النباتات التي يتم غرسها؛ حيث انتهت عهدة الصنوبر الحلبي وتم إقحام عشرات الأنواع من النباتات المحلية والدخيلة عن المنطقة، منها شجيرات ونباتات من دول أمريكية. ●● في 2012 أُطلقت دراسة حول إعادة تأهيله وتوسيعه. واقتُرحت خطة عمل في عام 2016. وعُقدت اجتماعات ووُرش عمل في عام 2018، ليتم في نهاية 2019 إعداد المخطط الوطني الجزائري 2020 - 2030 من قبل اللجنة الوطنية للمناخ وفريق من الخبراء والباحثين؛ إذ يتضمن 155 عملية ونشاط. ويهدف المخطط إلى إعادة إطلاق المشروع، ودراسة لتقليص التكليف وزيادة الكفاءة لاستكمال المشروع، والتوسع فيه. ●● في فيفري 2021، قررت الجزائر طلب تمويلات من صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة؛ لاستكمال مشروع السد الأخضر الذي يندرج في إطار المبادرة الإفريقية الجدار الأخضر الكبير، الهادفة إلى مكافحة آثار التغيّر المناخي، والتصحّر، لتطلق وزارة الفلاحة والمديرية العامة للغابات، رسميّاً، تأهيل السد الأخضر في 17 جوان 2021، تحت القيادة المشتركة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" ●● في جوان 2021، طالب وزير الفلاحة والتنمية الريفية السابق، محمد عبد الحفيظ هني، المسؤولين ب "الإسراع في اتخاذ كل الإجراءات الضرورية؛ من أجل التنفيذ الفعلي للمخطط العملي لمشروع السد الأخضر، والتنسيق مع كافة الهيئات المعنية، والعمل في أقرب الآجال، على تنصيب كافة الهيئات الخاصة بمتابعة هذا المشروع الحيوي.