ابتسام حملاوي : اللقاءات مع المجتمع المدني فرصة لرصد التطلعات والاقتراحات    الجزائر العاصمة : "المواطنة في ظل الاحتلال الفرنسي للجزائر والثورة التحريرية" محور ندوة    القسام تجهز على جنود إسرائيليين..الاحتلال يقتل 42 فلسطينيا ويكثف هجومه على حي الزيتون    البيض.. الشروع في تجهيز ملعب زكريا مجدوب بالأضواء الكاشفة    بمشاركة منشدين من ثمانية دول.. انطلاق الطبعة ال11 من البرنامج الإنشادي "حادي الأرواح"    بمشاركة الوزير نور الدين واضح ممثلاً لرئيس الجمهورية.. الجزائر تعزز حضورها الدولي في تيكاد 2025    مكالمة هاتفية بين عطاف ووزير خارجية الكويت    حج 2026: تنصيب لجنة دراسة العروض المقدمة للمشاركة في تقديم خدمات المشاعر    جمعية صحراوية تطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين    بطولة إفريقيا لرفع الأثقال (أشبال-أواسط): الجزائر تنهي المنافسة برصيد 23 ميدالية منها ست ذهبيات    اتفاقية إطار لترقية الدفع الإلكتروني عبرتطبيق "بريدي موب" لفائدة مكتتبي "عدل"    هاتف نقال: ضرورة التزام المتعاملين ببنود دفاتر الشروط واحترام التزاماتهم في مجال التغطية    سيدي بلعباس: عرض مسرحية "إبادات" بقاعة سينما العمارنة    وهران: انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الطهي    انطلاق الطبعة الخامسة للقوافل الطبية التطوعية باتجاه مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير    كرة القدم"شان-2024"(المؤجلة الى 2025): المنتخب الوطني يحط الرحال بزنجبار    هذه تفاصيل الخطّة الصهيونية لاجتياح غزّة    ابتكار دواء للسرطان    التُجّار الموسميون يغزون الشواطئ    إرهابي يُسلّم نفسه وتوقيف 3 عناصر دعم    الجزائر تجدد التزامها بتنفيذ الإستراتيجية الأممية    أيام لطوابع الجزائر    30 سنة على رحيل سيراط بومدين    خنشلة:افتتاح المهرجان الوطني الثاني للموسيقى والأغنية الشاوية وسط أجواء بهيجة    مُؤثّر إسباني يفضح الدعاية المغربية    16 فريقاً على خط الانطلاق.. بأهداف متباينة    الوادي : ضبط قرابة مليوني وحدة من المفرقعات    هلاك 9 أشخاص وإصابة 292 آخرين    لا مساومة برسالة الشهداء    تدشين منشآت طاقوية جديدة بمنطقة تين فوي تابنكورت    تمديد آجال تحميل طعون المسجّلين في برنامج "عدل 3"    نستنكر الصمت الدولي تجاه استهداف العمل الإنساني في غزّة    الجزائر قوية ومتماسكة بفضل إرثها التاريخي المجيد    استعراض واقع التعاون والشراكة بين الجزائر والأمم المتحدة    10 إجراءات لحماية الجمعيات من مخاطر تمويل الإرهاب    500 حافلة بقسنطينة مهددة بالسحب    محروقات : السيد عرقاب يشرف على تدشين عدة منشآت بتين فوي تابنكورت بإليزي    الجزائر بلد فاعل ومسؤول في أسواق الطاقة العالمية    "الخضر" يواجهون السودان وأزمة في المولودية    القبضة الحديدية بين يوسف بلايلي والترجي مستمرة    انتقادات سعودية قوية لحسام عوار بعد أول اختبار    ذاكرة شعبية تورث للأجيال    خزائن للذاكرة وروائع الزمن الجميل    وجهة مفضلة لعشاق البحر    معارض الصناعة التقليدية تنعش موسم الاصطياف ب "بونة"    إبداعات من حقيبة الذكريات والنزوح    الأطفال يحتفون بالمجاهد في مكتبة بركات سليمان    تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية, سايحي يشرف غدا على إعطاء إشارة انطلاق القافلة الطبية المتنقلة    عرقاب يستقبل الأمين العام لمنتدى الدول المُصدّرة للغاز    تأهّل غير مُقنع    هذه الحكمة من جعل الصلوات خمسا في اليوم    الدولة تولي أهمية خاصة لتشجيع الكفاءات الوطنية    قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود    فتاوى : هل تبقى بَرَكة ماء زمزم وإن خلط بغيره؟    خالد بن الوليد..سيف الله المسنون    مناقصة لتقديم خدمات المشاعر المقدسة في حج 2027    منصة لاستقبال انشغالات المؤسّسات الصحية في أكتوبر المقبل    الوضوء.. كنز المؤمن في الدنيا والآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنامل تصوغ الفرح وتوقظ ذاكرة الأعراس العتيقة
الماشطة العنابية
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2025

تُحيي "الماشطة" في عنابة، ذاكرة الأعراس القديمة بطقوسها وألوانها وروائحها، فتتحول بفضل أناملها، إلى شاهدة على أصالة المكان وعمق العادات التي لا تزال تنبض في البيوت والأحياء العتيقة. ليست مجرد امرأة تزين العروس وتصفف شعرها، بل فنانة تحمل تراثًا ضاربًا في الجذور، وذاكرة شعبية تحفظ تفاصيل دقيقة من ماضي المدينة. فوجودها في أي بيت عنابي عند حلول "الساعة الصفر" للزفاف، يعني أن الفرح قد بدأ، وأن العروس على موعد مع لحظة لا تُنسى.
تجلس الماشطة في صدر الغرفة، محاطة بأهازيج النسوة ورائحة البخور المنبعثة من مجامر النحاس، فيما يختلط صوت "الدربوكة" وأغاني الفرح بأصوات الضحكات والتهاني. تبدأ أولى لمساتها بترتيب شعر العروس، لتضع فوقه "الشوشنة" بكل دقة، ثم تُزين جيد العروس ب"السخاب"، ذي الرائحة الزكية الذي تتوارثه النساء جيلاً بعد جيل، كرمز للبركة والعفة والحظ الطيب. وفي معصمها ويديها، لا تنسى الماشطة أن ترسم بخطوط "الحرقوس" السوداء، نقوشًا بديعة تزيد اليدين إشراقًا، وتمنحهما مسحة أسطورية من الجمال.
كل تفصيل عند الماشطة له دلالة ومعنى. فإذا ارتدت العروس "قندورة الفتلة" المطرزة بخيوط الذهب والفضة، صففت شعرها بطريقة تليق بفخامة هذا اللباس التقليدي العريق، لتكتمل صورة العروس الملكية. وإذا ارتدت اللباس الخفيف العصري، تكيفت مع ذوقها وجعلت التسريحة، تنسجم مع البساطة والحداثة. هكذا، تتحول الماشطة إلى فنانة لا تُعيد نفسها مرتين، بل تبدع في كل مرة لوحة جديدة. لكن دور الماشطة لا يقتصر على التزيين. فهي تُرافق العروس طيلة اليوم، تُهيئها نفسيًا وتُهدئ من توترها، وتقدمها في العرس بأبهى صورة. ولأن الأعراس العنابية تختلف في أجوائها، بين من يفضل أجواء "الديسك جوكي" الحديثة، ومن يحيي الحفل بالفقيرات والأهازيج الدينية، أو بالزرنة والقصبة، التي تعيد صخب الأعراس الشعبية القديمة، فإن الماشطة تظل الرابط الوحيد بين كل هذه العوالم. فهي تجيد التأقلم مع جميع أشكال الاحتفال، وتظل دائمًا جزءًا من الصورة مهما تغير الزمن.
وفي أحياء عنابة العتيقة، من "سيدي سالم" المطل على البحر، إلى "برمة الغاز" و"بلاص دارم"، مرورًا ب"لاكلون" و"لوريروز" وغيرها من الأزقة التي تحفظ أسرار المدينة، تبقى الماشطة أيقونة لا تغيب. تتنقل بخفة من بيت إلى آخر، حاملة صندوق أدواتها وكأنها تحمل صندوق أسرار، بداخله المشط، والمرايا الصغيرة، وأمشاط العاج، وعلب الحناء، وزجاجات العطور التقليدية، والأكسسورات، وكلما دخلت بيتًا، دخل معها الفرح، ومعها تبدأ النسوة في ترديد الأغاني التي تصف جمال العروس وتبارك زواجها.
ولأن العرس في عنابة ليس مجرد ليلة، بل سلسلة من الطقوس تمتد أيامًا، فإن الماشطة حاضرة في كل مرحلة. فهي التي تزين العروس يوم "الحمّام"، حين ترافقها النسوة بالغناء والزغاريد، وهي التي تحضر ليلة الحناء، لتزيّن يديها وأصابعها بالنقوش، ثم تعود ليلة الزفاف لتضع اللمسات الأخيرة على طلتها. وكل مرة، تُبدع من جديد لتمنح الفرح طابعًا مختلفًا. إن حضور الماشطة في الذاكرة الجماعية للعنابيات، ليس مجرد تقليد اجتماعي، بل هو شكل من أشكال الحفاظ على الهوية. فهي تحفظ طقوسًا وممارسات قديمة، تعكس رؤية المرأة للجمال والفرح، وتعيد للأحياء الشعبية دفئها، وتجعل من العرس لحظة جامعة للعائلة والجيران والأصدقاء.
في بيوت عنابة القديمة، حيث الجدران البيضاء والشرفات المزخرفة والطرقات الضيقة، يظل صوت الزغاريد الممزوجة بأهازيج الفقيرات والزرنة والقصبة مرتبطًا بصورة الماشطة. فهي التي تُجهّز العروس، وتزينها كما يليق ببنت المدينة، وتُقدّمها للناس في كامل أبهتها. إنها ليست مجرد مهنة عابرة، بل إرث نسائي خالد، يُعطي للأعراس العنابية سحرها الخاص وملامحها التي لا تُشبه أي مكان آخر. الماشطة، إذن، ليست مجرد أنامل تزيّن، بل ذاكرة حيّة تختزن قصص أجيال من النساء. هي التي تُبقي "أغراس" عنابة نابضة بالفرح، وتمنح لكل عروس يقينًا بأنها على خطى الجدات، وأن جمالها ليس مجرد زينة عابرة، بل حكاية متواصلة بين الماضي والحاضر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.