في عام 1878، أصيب الشاعر الفرنسي (فيكتور هيغو Victor Hugo) بجلطة دماغية، فنصحه الأطباء بالإخلاد إلى الراحة بعيدا عن جو باريس، وعن مجادلات الأصدقاء الذين كان يستقبلهم في كل يوم. وما زال تاريخ هذه الوعكة الصحية يشغل أهل الأدب ومؤرخيه. البعض منهم يقول إنها كانت وعكة مفتعلة، بينما يرى آخرون أن سلوكه الشخصي مع أهله وأصدقائه هو السبب في المقام الأول. لكن، لم يصل أحد إلى تحديد أسبابها، بل إنها ما تزال محل أخذ ورد بين أهل الأدب والسياسة في وقت واحد لا سيما وأن الشاعر كان له خصوم كثيرون من المستمسكين بنظام الحكم الملكي في فرنسا. وهناك من يرى أن سبب الجلطة الدماغية يعود إلى عنجهية فيكتور هيغو بالذات، وتشبثه ببعض القيم الأخلاقية التي ما عاد لها دور في فرنسا بعد انهيار نابليون الثالث، وبروز النظام الجمهوري. ولذلك فهم يعتقدون أن الجانب الأخلاقي بالذات هو الذي كان وراء تدهور صحته مما دفعه إلى الاستراحة بضعة أشهر في جزيرة (جرنيزي Guernesey) الواقعة على بحر المانش. وبالفعل، فهم يزعمون أن فيكتور هيغو وقف وقفة المعادي لكل احتفال بذكرى المفكر (جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau) لأنه كان بلا أخلاق في نظره. فلقد تخلى عن أطفاله في وقت كان يدعي فيه الحرية والمساواة وتربية الأطفال. بل إن هيغو الذي كان يومها مكلفا بتنظيم الاحتفال بذكرى المفكر (فولتير Voltaire) أمر بألا يقرن اسم جان جاك روسو باسم هذا الأخير. ويقال أيضا إن الصراع احتدم بينه وبين أحد الذين يشاركونه في تنظيم الاحتفال، فارتفع ضغط دمه، وعجز عن النطق. وأيا ما كان الأمر بخصوص هذه الوعكة الحقيقية أوالمفترضة، فإنها تدل على أن هناك بعض الأدباء يربطون ربطا وثيقا بين الكتابة الأدبية والسلوك الذي ينهجه هذا الكاتب أوذاك، إذ لا يعقل أن يسعى الأديب إلى النهوض بأذواق قرائه وهو خلو من أدنى الشروط الأخلاقية. المؤسف في عالم الأدب اليوم هو أننا نرى من يرفع عقيرته بضرورة العيش على أساس من الحرية التامة دون مراعاة مشاعر الغير حتى وإن لم يكونوا من المدمنين على قراءة الأدب. وذلك ما يميز فن الرواية العربية في أيامنا هذه بوجه الخصوص. يحسب بعضهم أن التحرر من الضوابط الأخلاقية في الكتابة والسلوك أشبه ما يكون بالتحرر من الوزن والقافية بالنسبة للشعر. وأغلب الظن أن أولئك الذين ينادون بالتحرر الكلي لن يعرفوا معنى الجلطة الدماغية، بل إنهم لن يصابوا بمثلها، ولن يهمهم أمر فيكتور هيغو ولا حرصه على مراعاة الجانب الأخلاقي في الأدب وفي السلوك معا. ولذلك صرنا نفتقر إلى الكلمة الجميلة المعبرة في فن الرواية وفي فن الشعر أيضا، وتحول كل من هب ودب إلى الكتابة الأدبية في وقت افتقر فيه إلى أدنى معايير السلوك المهذب الذي يرضي الناس والقراء أجمعين.