صادق أعضاء مجلس الأمة بالأغلبية على مشروع قانون المالية للعام القادم في جلسة علنية ترأسها السيد عبد القادر بن صالح رئيس المجلس وعرفت معارضة عضوين فقط ينتميان إلى التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. وحذت الغرفة الأولى للبرلمان حذو المجلس الشعبي الوطني الذي سبق له أن تبنى المشروع في جلسة انعقدت في بداية الشهر الجاري، الشيء الذي جعل وزير المالية السيد كريم جودي يوجه رسالة شكر إلى أعضاء البرلمان بغرفتيه في تصريح للصحافة على هامش الجلسة، معتبرا هذا التصويت بمثابة "ضوء أخضر" للحكومة لمواصلة تنفيذ برنامج التنمية الذي شرعت فيه والشروع في تطبيق البرنامج الممتد إلى غاية 2014. وقال في هذا السياق"إن هذا التصويت منح الحكومة آليات العمل اللازمة لتنفيذ البرنامج الخماسي المقبل". وأوضح الوزير أن مشروع القانون يتضمن اعتمادات مالية جديدة بقيمة 2500 مليار دينار موجهة للاستثمار وإنجاز منشآت في قطاع الأشغال العمومية والطرقات والسكك الحديدية والمرافق الصحية والتربوية، ويضاف إلى ذلك الجانب التشريعي المتضمن تبسيط النظام الضريبي وتخفيض الضغط الجبائي ومكافحة الغش والرشوة إلى جانب تحفيز الإنتاج الوطني ودعم القروض العقارية. ويهدف قانون المالية للعام القادم إلى مواصلة جهود الدولة في مجال السياسة الاجتماعية ومحاربة البطالة وتشجيع الاستثمار الاقتصادي. وبالرغم من الانخفاض الذي تشهده الإيرادات حاليا فإن القانون ينص على تجنيد موارد وتضمن القانون اعتمادات مالية بقيمة 1000 مليار دينار موجهة للتكفل بالجانب الاجتماعي منها 453 مليار دينار مخصصة للمؤسسات الاستشفائية أي بزيادة تفوق 8 بالمئة مقارنة بالقانون الحالي و37 مليار دينار للمساهمة السنوية في صندوق احتياطي التقاعد و190 مليار دينار للمساعدات العمومية الموجهة لدفع منح التقاعد والمنح الضعيفة وللتعويضات الإضافية الموجهة للمتقاعدين وأصحاب المعاشات من مختلف الشرائح الاجتماعية. كما تنوي الحكومة مواصلة دعم أسعار الحبوب والحليب والماء ونقل البضائع إلى جانب الخدمات التي تقدمها مؤسسات عمومية ذات طابع اقتصادي لفائدة السكان من خلال تخصيص غلاف مالي قدره 260 مليار دينار. كما خصص القانون 29 مليار دينار لفائدة المتمدرسين من أبناء الأسر المحرومة وللرفع من منح الطلبة والمتربصين و10 ملايير دينار لتعويضات ضحايا الإرهاب والمأساة الوطنية. كما تضمن القانون اعتمادا ماليا يقدر ب230 مليار دينار لتغطية الرفع من الأجر الوطني الأدنى المضمون وتطبيق النظام الجديد لتعويضات الموظفين. وفي مجال محاربة البطالة ينص القانون على تخصيص ما يزيد عن 100 مليار دينار، منها 84 مليار دينار لتمويل منح التضامن الجزافية وإنشاء مناصب شغل مؤقتة و24 مليار دينار لجهاز المساعدة على الاندماج المهني و10 ملايير دينار موجهة لصناديق الضمان الاجتماعي تعويضا عن تخفيضات الاشتراك التي يستفيد منها أرباب العمل في إطار إجراءات تشجيع المؤسسات على إنشاء مناصب شغل جديدة. كما تم تخصيص غلاف مالي بقيمة 250 مليار دينار لتشجيع تشغيل الشباب والاستثمار الاقتصادي، منها 38 مليار دينار تمثل مساعدات لإنشاء مناصب الشغل من قبل الشباب و106 ملايير دينار لمساعدات الاستثمار الفلاحي و100 مليار دينار لدعم الاستثمار الصناعي. وتقدر ميزانية التسيير 2838 مليار دينار أي بزيادة قدرها 6,6 بالمئة مقارنة بميزانية السنة الجارية. أما ميزانية التجهيز والاستثمار فإنها تقدر ب3332 مليار دينار (بزيادة تفوق 7 بالمئة مقارنة بالسنة الحالية). وتراهن الحكومة من خلال القانون الجديد على تسجيل نسبة نمو للناتج الداخلي الخام تقدر ب4 بالمائة، 5،5 بالمئة منها خارج المحروقات وذلك على أساس سعر مرجعي للبترول ب37 دولارا. أما نسبة التضخم فيتوقع أن تصل إلى 3,5 بالمئة بينما ستبلغ الواردات حوالي 37 مليار دولار خلال سنة 2010. وعلى هامش جلسة التصويت سئل وزير المالية حول الشكاوى التي رفعها متعاملون اقتصاديون بخصوص القرض المستندي بحيث أن طبيعة هذه الانشغالات تتعلق بالتعامل مع الخزينة والبنوك، موضحا أن العلاقة بين البنوك والمتعاملين يحددها عامل الثقة بينهما وقال إن "وجود علاقات ثقة بين المستوردين من خلال حرية التحويلات الخاصة بتمويل الواردات يسمح بعدم اللجوء الى القرض المستندي". أما فيما يخص الإشكال البنكي فقد أكد الوزير أن المستورد "غير مطالب بامتلاك رصيد بنكي إذا كانت نوعية الضمانات التي يقدمها معروفة ويستثنى من هذا الأمر عمليات إعادة بيع السلع المستوردة على حالتها". وعاد السيد جودي إلى ذكر الظروف التي أحاطت بإلزام الحكومة المتعاملين بالحصول على القرض المستندي وأكد أن هذه الخطوة من شأنها "ضمان تأمين أكبر لعمليات تمويل الواردات". وفي رده عن سؤال يتعلق باقتراح رفع سعر المازوت إلى 15 دينار للتر عوضا عن 7ر13 دينار حاليا والذي تقدمت به سلطة ضبط المحروقات أكد الوزير أن الحكومة "تلقت فعلا هذا الاقتراح إلا أنها لم تشرع بعد في دراسته"، مما يعني أن القرار لم يتخذ بعد على مستوى الحكومة. وعقب تصويت أعضاء مجلس الأمة على المشروع ألقى رئيس مجلس الأمة كلمة دعا فيها الحكومة إلى ضرورة توخي الصرامة في تسيير النفقات العمومية. وأشار إلى أنه إذا كانت المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني إيجابية فإنه يتعين على الجهاز التنفيذي أن ينتهج سياسة صارمة فيما يخص إنفاق المال العام، ودعا في هذا السياق إلى اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لمواجهة التطورات غير المتوقعة والناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية. وشدد السيد بن صالح على ضرورة أن تتعامل الحكومة بحزم مع آفات الرشوة والفساد التي تضر بمسار التنمية وتنخر "جسد الاقتصاد الوطني".