يحتضن المسرح الوطني الجزائري نهاية الأسبوع الجاري، العرض الشرفي لمسرحية "كيشوت" التي اشترك في حياكة خيوطها كل من مهووس الفن الرابع بوزيد شوقي وعميد المسرح الوطني الجزائري امحمد بن قطاف. والمعروف عن بوزيد شوقي عشقه للتغيير وكسره للقوالب الجاهزة ونفوره من الاستسهال، فهو فنان مسكون بالمغامرات الركحية وبالنصوص الفلسفية المعقدة التي تستعصي عن الجميع، لا تستهويه البساطة وعدوه اللدود السطحية، إذا سكن بنص أعطى له من جهده وأعصابه وصحته حتى يراه يتحرك مستقلا على الخشبة.. سنته في هذه الحياة تقديم الجديد على كل الأصعدة لا سيما السينوغرافية التي تمثل حقل انفجاراته، يبحث دائما عن تلك المواطن المظلمة التي لم يطلها النور، وشغله الشاغل الفضاء. شوقي من خلال عمله الجديد هذا يعود لأحد أهم شخصيات الأدب العالمي التي استنزفت في كل مجالات الإبداع البشري وليس فقط ركحيا، لكن هذا لم يخفه أبدا لأنه يتقن جيدا فنون الإفلات من التكرار والنمطية.. الفنان الباتني بدا منبهرا بنص مدير المسرح الوطني الجزائري قائلا في تصريح ل"المساء" أنه فور قراءته للنص شعر بنشوة كبيرة وقرر ركوب الموج، مضيفا أن نص بن قطاف الذي كتب بالفرنسية في 2003 اجتمعت فيه كل أطراف المعادلة المستحيلة الكتابة المسرحية الدرامية، القراءة وقدرة التحول إلى عمل سينمائي ضخم. ولم تنقصه ترجمته للغة العربية الفصيحة يقول شوقي والتي قام بها المسرحي محمد بوكراس وأشرف عليها عبد الرزاق بوكبة من قيمته الجمالية بل زادته قوة وحضورا، خاصة من خلال الصوت المدوي للفنان العراقي فضل عباس الذي منحه شوقي دور البطولة، فأحسن بذلك الاختيار ليس فقط بسبب الحضور الطاغي للفنان على الركح وتمكنه من مخارج حروف لغة الضاد بل أيضا لاقتراب شكله في الصورة المرتسمة في ذهن العامة لبطل رواية سارفنتس. ويشاطر فضل عباس أداء شخوص المسرحية كل من كمال زرارة في دور بانشو، الهاني محفوظ في دور الحارس، فاطمة شيخ في دور لويزات، إبراهيم جاب الله في دور سيزار، فايزة أمل في دور ميراندا، علوان عبد الغني في دور الطفل، في حين يشرف حسان لعمامرة على الجانب الموسيقي للعمل وعزيز لشلح على جانب الفيديو. أهمية العمل الجديد حسب مخرجنا القلق الذي اشتغل على الإخراج والسينوغرافيا أيضا بمساعدة مراد بوشهير، هو الاشتغال على الفضاء الركحي الذي قسمه في هذا العمل إلى مستويين، مستوى انطباعي يترك فيه المجال فسيحا أمام الخيال المتستر تحت عباءة نظرة البطل الذي يعيش في عالم خاص به يمكنه من رؤية الأشياء كما يريدها هو لا كما هي موجودة في الواقع، وفضاء واقعي تمثله أربع شاشات معلقة تعكس الصورة الحقيقية للأشياء التي يقابلها مصارع طواحين الهواء عبر عروض فيديو تشكل خلفية لما يحدث على الخشبة. وفي انتظار العرض الشرفي للمسرحية الذي سيكون في 19 جانفي الجاري بالمسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي"، نرجو أن يكون العمل حقا متميزا كما عوّدنا على ذلك بوزيد شوقي عبر "أبوليوس" للكاتب أحمد حمدي حيث أبهرنا مخرجا وسينوغرافيا، و"مديا7" التي نالت سبع جوائز في العالم العربي، و"الإمبراطور" التي حاز عليها جائزة أحسن سينوغرافيا.