بين العالم الخيالي والعالم الواقعي، خطوة واحدة قد تغيّر من حياة الإنسان في لمحة البصر، العالم الأوّل مرآة للعالم الثاني أم أنه العكس؟ على أرض تغمرها الوقائع، تحت سماء مليئة بالخيال، عاش كيشوت أم أنّه حاول العيش؟ كيشوت هرب من حياة بليدة جافة جامدة نحو أخرى رآها بقلبه وصنعها بمخيّلته ملقيا على الآخرين سؤالا وجيها، هل الحياة الخيالية أقلّ ضررا من أختها الواقعية أم أكثرها سوءا باعتبار أنّها غير موجودة وبالتالي مصطنعة وغير طبيعية؟ مسرحية "كيشوت، الرجل الذي لا ذنب له" التي قدّمت أوّل أمس بالمسرح الوطني عن نصّ أمحمد بن قطاف وإخراج شوقي بوزيد، وقام بتمثيل مشاهدها كلّ من فاضل عباس آل يحي، كمال زرارة، الهاني محفوظ، فطيمة شيخ، إبراهيم جاب الله، فائزة أمال، توفيق رابحي والطفل عبد الغني علوان، تحكي حكاية كيشوت الرجل الذي اختار أن يسير بدون هدى بحثا عن مغامرات أو هروبا من واقع أليم فرّقه بحبيبته، هو رجل من كثرة قراءاته لكتب الفروسية، تحوّل إلى فارس لكن في عالم الخيال، ومضى ماشيا في القصة الحقيقية لميغال سرفنتس وراكبا سيارة في العرض المسرحي هذا، إلى عالم، قد يغيّر منه أشياء كثيرة ويصلح عيوبه العديدة. وفي طريقه هذا الممزوج بالواقع والخيال، يلتقي كيشوت ببانشو، رجل بسيط قرّر هو الآخر السفر وتغيير حياته، فيسافران معها ويعيشان أكثر من مغامرة ويلتقيان بالعديد من الشخصيات الغريبة وفي الأخير ينفصلان ويعود كيشوت إلى حبيبته التي تقتل بسببه فيموت جسده هو الآخر بعدما طعنت روحه مرات ومرات. لقد حاول المخرج شوقي التأرجح واللعب بين عالمين، الأوّل خيالي ذاك الذي يعيش فيه كيشوت ويتخيّل أحداثه مثل كونه يركب سيارة والثاني واقعي رسمه المخرج من خلال وضعه أربعة أجهزة تلفزيون معلّقة تحكي بالصور ما يقوله ويفعله كيشوت في حياته الخيالية مثل ركوب سيارة حقيقية، أي انّه قسّم العمل المسرحي إلى جزأين، واحد خاص بنظرة كيشوت غير الواقعية، والثاني يعكس الصورة الحقيقة للأمور وما يحدث على خشبة المسرح. واعتمد المخرج كذلك على الأسلوب السريالي من خلال خلقه لشخصيات غريبة تنتمي إلى جمهورية بدون شعب ولا نشيد ولا ماء، يلتقي بها كيشوت وخادمه باشنو في رحلتهما، علاوة على كلّ الظلال التي تلاحقهما في هذه السفرة والتي تنتمي إلى عالم الخيال لكيشوت. وتنتهي رحلة كيشوت عندما يصبح الطريق مستقيما بدون منعرجات وهو ما لا يناسبه، ولكن العودة إلى الحياة الواقعية أمر، فحبيبته ماتت والنيران تأكل الشاشات المعلقة تعبيرا عما يشعر به الفارس النبيل الذي لم يفهم الحياة ولم يقبلها فاختار الخيال ومات فيه، وتكون نهاية العمل بخروج كل الممثلين مرتدين ألبسة رجال الفضاء ورؤوسهم متحولة إلى شاشات تلفزيون. وجاءت أحداث العمل بوتيرة بطيئة إلى حدّ الملل في بعض الأحيان كما خلت هذه المسرحية من الحركية والحيوية، ومن السحر أيضا فلم تخلق أجواء ساحرة تجذب إليها الجمهور، حتى الجانب الواقعي الذي اعتمد عليه المخرج كان وكأنه دخيل على العمل فلم يشكّل محطة متناسقة من محطات العمل، بالمقابل كان تمثيل فاضل عباس في المستوى.