صدر كتاب جديد حول مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر ساهمت في تأليفه 11شخصية بارزة في مجالات التاريخ والآداب والأديان بمقالات عميقة حول فكر وإنسانية وثقافة الأمير· ويتضمّن هذا الكتاب المعنون "الأمير عبد القادر، ملحمة الحكمة" علاوة على المقالات استشهادات نصوص كتبت في الماضي حول هذه الشخصية التاريخية العظيمة وكذا مقتطف من تقديم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لكتاب "رسالة إلى الفرنسيين" في طبعته التي صدرت عن المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار سنة 2006· ويتطرّق هذا الإصدار الجديد عبر ما لا يقل عن 300 صفحة إلى عدة جوانب من حياة الأمير عبد القادر من خلال مساهمات مختلف رجال الفكر والكلمة مرفوقة بصور عن بعض أدواته كالمصحف الشريف ذو الشكل الثماني الذي كان يحمله معه وصور عن تماثيل من البرونز نحتت تخليدا له وكذا مقاطع من أشعاره الخالدة كالقصيدة المشهورة "يا سواد العين"· واعتبر ناشر الكتاب السيد زكي بوزيد في رسالة في بداية المؤلّف أنّ مجموع الخصال والإسهامات المتّصلة بالأمير "تبدو هائلة إلى درجة أنّ كلّ محاولة لإعادة شموليتها الحية تسجّل حالا تحت دلالة المخاطرة"، مؤكّدا أنّ الاهتمام الذي يستدعيه الأمير "يثبت أنّ ميدان تأثيره ما زال نشيطا"· وأضاف السيد بوزيد أنّ القائمة "المدهشة" التي تشكّلها المراجع والبحوث التاريخية والأطروحات الجامعية وكذا الأعمال الأدبية الخاصة بالأمير عبد القادر دليل على تعدّد مواهبه، مشيرا إلى أنّ الأمير عرف كيف يكون في نفس الوقت "احترابيا ومحاربا صوفيا وشاعرا رجل دولة وحاكما إداريا متصرّفا ماليا ومنطقيا رياضيا، مفوضا ودبلوماسيا"· وينقسم الكتاب إلى خمسة أجزاء أربعة منها تتحدّث عن الأمير عبد القادر "الاستراتيجي ورجل الدولة" "المتصوف" "الإنساني" و"المثقف" و آخر يتناول موضوع" إشعاع رجل عالمي"، فساهم الكاتب وعالم الاجتماع عبد القادر جغلول بمقال يحمل عنوان "رجل دولة مسلم وفاعل ومفكّر في الحداثة"، تطرّق فيه إلى أهمّ المحطات التاريخية الخاصة بمقاومة بالأمير عبد القادر للاستعمار الفرنسي مقدّما نبذة عن حياة ذات الشخصية البارزة منذ ولادته سنة 1807 إلى غاية وفاته عام 1883· أمّا الكاتب الجامعي والوزير الأسبق كمال بوشامة فقد قدّم مقالا تحت عنوان الأمير عبد القادر ووحدة الأمة الجزائرية"، أكّد فيه أنّ هدف الأمير كان "أن يؤسّس استقلال العرب في الجزائر تحت سلطة واحدة"، مضيفا من جهة أخرى أنّ "الأمير كان عادلا لأنه يحبّ العدل وكان يسميها أم الفضائل ويضعها في المرتبة عينها مع العلم والشجاعة والاعتدال"، وعن المسار الروحي للأمير فقد اعتبر القائد الروحي للطريقة العلوية الشيخ خالد بن تونس أنّه "لا يمكننا فهم تعدّد مراكز اهتمام الأمير عبد القادر وتنوّع وقوّة نشاطه وطاقة قناعاته وحتى إنسانيته، إلاّ عن طريق التأمّل من خلال توحّد نظرته للحياة (···) ثم التجربة الروحية المتمثلة في السلوك الصوفي الموروث عن السيرة المحمدية"· كما تطرّق الشيخ بن تونس إلى تعاليم التصوّف عند الأمير على نهج ابن عربي وما خلّفه من ميراث روحي للأجيال الصاعدة خاتما مساهمته بأقوال إحدى المسافرات الأجنبية التي سمحت لها الفرصة بالتحدّث مع الأمير والتي تنص "نستطيع القول أنّه (الأمير) قديس، نعم فكما كان يحبّ لنفسه يحبّ للآخرين (···) وأخيرا فالفقر والمعاناة كانا وصفا كافيا له"· وفي نفس السياق يوضّح الجامعي والكاتب عبد الباقي مفتاح أنّ البعد الصوفي في شخصية الأمير "ليس بعدا عارضا أو طارئا ألجأته إليه الظروف، بل هو متجذّر في أعماق فطرته ويلمع من ثنايا سيرته من بدايتها إلى نهايتها"، معتبرا أنّ مساره الصوفي ينقسم إلى ثلاث مراحل ألاّ وهي "التعلّق ثم التخلّق ثم التحقّق"· ومن جهته أكد الخبير في أنثروبولوجيا الأديان الدكتور زعيم خنشلاوي في مقاله "هدية النور" أنّ الحياة "الخارقة" للأمير "تفتح الباب نحو الكرامة وتساهم في بث الطاقات التحررية"، مضيفا أنّه "لا شك أنّ القيمة الكونية لإرثه الروحي تحمل لنا عناصر تحليل حديثة ومبتكرة من شأنها كشف محدودياتنا المعرفية"· أما فيما يخصّ البعدين الإنساني والثقافي للأمير فيحتوي هذا الإصدار على مساهمات عديدة منها "الأمير عبد القادر، رائد القانون الإنساني ومنشد الحوار بين الديانات" لأحد أحفاد الأمير السيد إدريس الجزائري و"الأمير عبد القادر والمسيحيون" لأسقف الجزائر هنري تيسيي و "الأمير والشعر" لرئيس المجلس الدستوري السيد بوعلام بسايح و"الأمير عبد القادر والعلاقة بين العقيدة والعقل" لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي الشيخ بوعمران· وفي ختام الكتاب يمكن للقارئ اكتشاف التسلسل الزمني للأحداث التي ميّزت حياة الأمير عبد القادر منذ ولادته إلى غاية الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لولادته الذي انطلق في سنة 2007 مرورا على سبيل المثال بمبايعته أميرا على معسكر من قبل قبائل ناحية وهران ليقود المقاومة و أول هجوم ضد الفرنسيين سنة 1832 وتمويله لنشر عمل أستاذه الروحي ابن عربي "الفتوحات المكية" عام 1857·(وأج)