تصنف الأسواق العالمية المنتجات الفلاحية الجزائرية ضمن أجود المنتجات الطبيعية التي لم تدخل عليها التعديلات الجينية، وعليه فقد تم وضع رواق اخضر للمصدرين الجزائريين مع تحديد حصص معفية من الجمركة للعديد من المنتجات الزراعية على غرار التمور، البطاطا، اللحوم بمختلف أنواعها، لكن وبعد خمس سنوات من النشاط ضمن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم يتمكن القطاع الفلاحي من بلوغ مستوى كل الحصص المتفق عليها لأسباب عديدة أرجعها المنتجون الفلاحيون إلى العراقيل البيروقراطية في الإدارة الجزائرية، بالإضافة إلى غياب الخبرة والتخوف من المنافسة الخارجية خاصة وأن الصناعات الغذائية التحويلية تراوح مكانها الأمر الذي يجعل القطاع الفلاحي تقليديا بالدرجة الأولي، مما لا يخدم الشروط المطبقة من طرف الاتحاد الأوربي الذي يركز كثيرا على أدق التفاصيل في مجال التعليب والتصبير، الأمر الذي عرقل عدة عمليات تصدير تخص زيت الزيتون والعسل وحتى المعجنات التي طرأت عليها هي الأخرى تغييرات مؤخرا تخص استخراج وثائق جديدة تثبت مصادر المواد الأولية المستغلة. سجل مركز الإحصاء للمديرية العامة للجمارك بالنسبة للسنة الفارطة انخفاض صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات ب 46 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2008، حيث احتلت المنتجات الفلاحية المرتبة الأخيرة ضمن قائمة المواد المصدرة بحصة تقدر ب 0,26 بالمائة وهو ما يمثل مبلغ 114 مليون دولار، وحسب تحليل الجمارك فإن الجزائر بعد خمس سنوات من انضمامها لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم تتمكن لغاية اليوم من بلوغ مستويات الحصص المعفية من الجمركة في هذا المجال، في حين تطالب المغرب اليوم بحصص إضافية بعد أن استوفى كل الحصص المخصصة له في هذا القطاع. وتشير آخر المعطيات إلى أن أهم المنتجات الفلاحية والغذائية المصدرة إلى الأسواق الأوربية تتمثل أساسا في التمور من نوع "دقلة نور" وبذور الخروب، زيت الزيتون وزيوت نباتية، المعجنات، ومنتجات الصيد البحري بالإضافة إلى حصص من البطاطا والطماطم والبصل، وفاكهة المشمش بالدرجة الأولى بعد انخفاض حصة الحمضيات الموجهة للتصدير في السنوات الفارطة، وبلغة الأرقام تم تصدير 32,74 طن من المياه المعدنية والغازية، و26,48 طن من المعجنات الغذائية الممثلة أساسا في "الكسكسي" وبعض أنواع "المعكرونة" و2,41 طن من منتوج الكمأ "الترفاس"، 6,26 طن من التمور من نوع "دقلة نور" ، بذور الخروب ب 7,52 طن، أما فيما يخص الملح وكلور الصوديوم، فقد تم تصدير 41,38 طن، مشتقات الحليب من "الياوورت" ب 1,83 طن، أما بالنسبة لمنتجات الصيد البحري، فقد تم تسجيل تصدير 0,44 طن من الجمبري و 0,09 من التونة الحمراء. وفي قراءة للأرقام أشارت مصادرنا من المديرية العامة للجمارك أن صادرات الجزائر من المنتجات الفلاحية لم تصل يوما إلى الأهداف المرجوة في إطار تنمية الصادرات خارج قطاع المحروقات بالنظر للإمكانيات الطبيعية التي تتوفر عليها الجزائر، لكن لأسباب عديدة لم تتمكن الجزائر من تخطي عتبة تنويع الصادرات، من جهته يرى رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة السيد ولد حسين في تصريح خاص ل "المساء" أن الإنتاج الفلاحي الوطني مخصص لتلبية طلبات السوق الوطنية بالدرجة الأولي، كما أن مختلف البرامج والمخططات الإنمائية السابقة كان هدفها تنظيم مختلف حلقات الإنتاج الوطني بعد حالة الإهمال التي عرفها خلال العشرية السوداء، فكان على عاتق الوزارة الوصية والغرفة مهمة إحصاء الإمكانيات وتحديد الأهداف المستقبلية مضيفا: "وبعد مجموعة من المخططات تمكنا من بلوغ مستويات قياسية في الإنتاج مثلما سجل السنة الفارطة فيما يخص القمح ، مع وضع برامج لضبط الإنتاج ومتابعة حلقات الإنتاج والتخزين والتسويق في مبادرة من الحكومة لمتابعة إنتاج عدد من المنتجات واسعة الاستهلاك على غرار الحبوب، البطاطا، الحليب واللحوم بمختلف أنواعها". وبخصوص تصدير المنتجات الفلاحية ضمن اتفاق الشركة مع الاتحاد الأوربي أشار السيد ولد الحسين إلى أن الحصص المصدرة حاليا ضعيفة مقارنة بالإمكانيات التي تتوفر عليها الجزائر مرجعا الأمر إلى ثقافة الفلاح التي لا تزال منحصرة في الإنتاج المحلي والتخصص في منتجات فلاحية بأقل تكلفة وربح كبير، مما جعل الثروة والقوة في يد فئة صغيرة من الفلاحين همهم الوحيد احتكار السوق الوطنية لا غير خاصة وأن الطلب على المنتجات الفلاحية مرتفع جدا نظرا لكون الجزائر بلدا مستهلكا بالدرجة الأولى، مما يجعل الاهتمام بالأسواق الخارجية ضعيفا. الجزائر تتحصل أخيراً على الدمغة التجارية ل"دقلة نور" ومن بين مجمل العراقيل التي تعيق تصدير المنتجات الفلاحية والغذائية المصنعة يقول رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أن التنسيق مع الكنفدرالية الفرنسية للفلاحين جعل الغرفة تقف على بعض الشروط التي يجب توفيرها في المنتجات الفلاحية الموجهة للتصدير منها حمايتها في الأسواق الخارجية من خلال تحديد منشئها بالنظر إلى المنافسة القوية لعدة منتجات متشابهة، ومن بين أول النقاط التي تمت معالجتها مع الكنفدرالية الفرنسية هي توفير الدمغة التجارية لمنتوج تمور "دقلة نور" بعد أن سبقنا التونسيون للمطالبة بالاعتراف بمنتوج "دقلة نور" التونسية، وهو ما اثر على سوق التمور بفرنسا وكان وراء انخفاض الحصص المصدرة خلال السنوات الأخيرة، وحسب آخر التقارير للغرفة الفلاحية بولاية بسكرة فإن تجارا تونسيين قاموا بتأجير عدد من المواطنين لشراء كل المنتوج بأسعار مغرية يتم نقله إلى تونس قبل تعليبه وبيعه للخارج على أساس أنه منتوج تونسي. وبعد أن تحركت الغرفة الجزائرية للمطالبة بدفتر الشروط للحصول على الدمغة التجارية وهنا تم اللجوء إلى بعض الكنائس التي كانت في المنطقة خلال السنوات الاستعمار حيث أشار العديد من سكان المنطقة أن الرهبان كانوا يقومون بتحاليل ويراقبون كل كبيرة وصغيرة حول إنتاج التمور، ولحسن الحظ أنهم وضعوا دراساتهم في أرشيف خاص بهم وتمكنا بالتنسيق مع الفلاحين الفرنسيي من الوصول إليه وحصلنا منذ مدة على الدمغة، وهو ما سيساعدنا مستقبلا في الرفع من حصص التمور المصدرة التي يجب أن تكون مدعمة في مجال التعليب والنقل خاصة وأن الشروط الأوروبية واضحة في هذا المجال قال محدثنا. وعن باقي المنتجات الفلاحية المصدرة إلى الأسواق الأوربية، أشار ولد الحسين إلى أن منتوجات البصل والبطاطا الجزائرية مطلوبة بكثرة بالأسواق الأوربية، وينتظر المنتجون اليوم مساعدتهم من ناحية تفعيل الرواق الأخضر وهو ما أكده ل "المساء" المنتج حمودي محمد صاحب شركة "داتول اكسبور" الذي ينشط في مجال التصدير منذ أكثر من 10 سنوات في مجال التمور، مشيرا إلى انه لغاية اللحظة لم يستفد المنتجون الجزائريون من مزايا هذا الرواق بالنظر إلى العراقيل البيروقراطية خاصة عبر البنوك الجزائرية التي تتماطل في معاملاتها مع المصدرين الذين لا يتلقون مستحقاتهم إلا بعد 15 يوما من وصول المبالغ إلى الجزائر في الوقت الذي لا يزيد وقت المعاملات بالخارج أكثر من يوم واحد. من جهة أخرى، أشار المصدر إلى مشاكل النقل من الجنوب إلى غاية الميناء والتي تتطلب شاحنات مجهزة بغرف التبريد وهي النقطة السوداء بالنسبة لقطاع النقل الذي لا يتوفر على مثل هذه الوسائل بالإضافة إلى نوعية الورق المستعمل في التعليب، فالمصدرون مجبرون على استعمال تعليب خاص يتم جلبه من الخارج بسبب النوعية الرديئة للتعليب المحلي الذي لا يتماشى ومقاييس حفظ المنتوج، أما النقطة الثالثة في رحلة التصدير هي طول فترة المعاملات الجمركية بالميناء والتي قد تزيد عن ثلاثة أيام، حيث يبقى المنتوج على مستوى الميناء كل هذه الفترة قبل شحنه على متن الباخرة. وبخصوص دعم الصادرات الفلاحية كشف المتحدث عن نشاط جمعية منتجي التمور الذين طالبوا أكثر من مرة وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بتسهيل الحصول على قروض لفتح وحدات للتعليب من خلال توسيع دائرة المستفيدين من "القرض الرفيق" . وعن سبب عزوف المنتجين على تصدير الفائض في الإنتاج الفلاحي أشار رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة إلى أن تأخر تطبيق العديد من الإجراءات التحفيزية على غرار تخصيص نهائيات للحاويات لتصدير المنتجات الفلاحية عبر عدة موانئ حسب قربها من مواقع الإنتاج ومصانع التحويل، وهو جعل وجهة المستثمرين الجزائريين تتحول إلى الاستيراد عوض التصدير، أما فائض الإنتاج فيفضل المنتجون تحويله للتخزين للمضاربة به في السوق، وعليه فعلى الهيئات الرسمية إعادة النظر في القوانين والإعلان عن إجراءات تحفيزية تحث المنتج على الاتفاق مع المصنع للرفع من طاقات الصادرات الفلاحية، من جهتها على وزارة الفلاحة الجمع بين اهتمامات المنتجين والمصنعين الذين لا يزالون ينشطون كل واحد لحسابه الخاص. الاتحاد الأوروبي حدد قوائم المنتجات المعفية من الجمركة والإشكال يبقى بالجزائر لدى تصفح مضمون اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي في شقه المتعلق بالمنتجات الفلاحية والغذائية شبه المصنعة تمت الإشارة إلى وجود 94 منتوجا ضمن التعريفات الجمركية معفاة عند التصدير منها 14 منتوجا خاضعا لنظام الحصص منها الكحول، البطاطا، الفراولة، المشمش وزيت الزيتون وذلك بنسب تتراوح بين 100 وألف طن حسب طلبات السوق الأوربية، وهناك 11 منتوجا خاضعا لنظام شهادات التوصية يضم منتوج الطماطم المبشورة والتي تستعمل في إنتاج الطماطم المصبرة، الكمأ، الكرنب، وهناك 4 منتجات خاضعة لتخفيض الرسوم الجمركية بين 40 و 55 بالمائة منها عجينة الفواكه ولب الفواكه. وحسب تصريح مدير عام الوكالة الوطنية لترقية الصادرات الخارجية "ألجاكس" السيد محمد بنيني فإن إشكالية انخفاض نسبة الصادرات من المنتجات الفلاحية يعود أساسا إلى عدم تحديد الأهداف رغم توفر الإمكانيات، كما أن ثقافة التصدير غائبة بالجزائر لتحل محلها ثقافة الاستيراد التي طغت على المبادلات التجارية الجزائرية الخارجية، لذلك عمدت "ألجاكس" إلى تسطير برامج لمرافقة المصدرين من خلال دراسة الأسواق الخارجية وتحديد الشروط اللازمة لدخول المنتوج الجزائري وهو ما يتم ضمن برنامج "أوبتيم اكسبور" الذي تقرر تمديده بسنة إضافية إلى غاية نهاية 2010، مع إشراك الغرفة الوطنية للفلاحة لتدعيم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الناشطة في مجال المنتجات الفلاحية. وعليه يقول المسؤول أن سنة 2010 ستكون سنة التصدير بالنسبة للجزائر في عدة منتجات وعلى رأس القائمة المنتجات الغذائية، على أن تقوم الغرفة الوطنية للفلاحة بتقريب الرؤى بين المنتجين والمصنعين بالنظر إلى غياب التنسيق فيما بينهم لأسباب عديدة، مع الابتعاد عن سياسية المضاربة التي يفضلها العديد من المنتجين وهو ما سيتجسد إذا ما تم إعادة هيكلة وتنظيم عمل التعاونيات الفلاحية التي يجب أن يكون نشاطها تكامليا. وعن مستقبل المنتجات الفلاحية الجزائرية في ظل المنافسة القوية بالأسواق الأجنبية أشار الخبير مسعود بمصلحة الإحصاء وكالة "ألجاكس" أن الاتحاد الأوربي في كل مرة يعتمد مجموعة من الشروط للمنتجات الفلاحية المصنعة التي تدخل الأسواق آخرها مس منتوج زيت الزيتون الذي تم تخفيض نسبة حموضته إلى 0,005 ، مع تحديد شروط جديدة لمنتوج العسل يخص عملية التعليب وتحديد مواصفات الخلطات ومكان إنتاجه، وعليه فقد تقرب أعوان الوكالة من بعض المنتجين الراغبين في التصدير لتحسيسهم بالشروط الجديدة وطرق تحسين المنتوج وفق المقاييس الأوروبية.