يعيد فيلم "المحنة"، المشاهد، إلى أيام المحن التي عاشها شعبنا في سنوات الإرهاب، ويبرز بأدق التفاصيل الخوف والرعب الذي عاشته الأسرة الجزائرية في يومياتها، إلا أن صورة الأمل والتحدي ومبارزة هذا الواقع المر والتصدي له، كانت بمثابة مفتاح الفرج والطريق إلى النور. احتضن نادي السينما في عدده الأول للموسم الثالث بقاعة "الموار"، وضمن موعده الشهري أول أمس، عرضا لفيلم "المحنة" للمخرج نور الدين زروقي، والفيلم عبارة عن صورة مصغرة لكنها واقعية مائة بالمائة لما عاشته الجزائر في العشرية السوداء... يبدأ الفيلم بصورة عامة عن المدينة (مدينة تيارت)، حيث يرفع بها أذان المغرب حوالي الساعة السابعة مساء، حسبما تشير إليه ساعة الشارع، وفي هذا التوقيت يلج الجميع إلى بيوتهم، فلا أثر لحركة المارة ولا للتجارة فكل شيء مغلق البيوت، الدكاكين... ما عدا المسجد الذي يستقبل قلة من المصلين أغلبهم من الشيوخ، وفي هذا التوقيت بالذات يبدأ قلق العائلات، خاصة الأمهات، فأي عائلة لم يلتحق أحد أفرادها بالبيت يدب فيها القلق والتوتر. هنا تبدأ أم خالد (عبد المالك قداوي) في القلق، وسرعان ما تؤنب ابنها عند دخوله البيت على التأخر، كذلك الحال بالنسبة للأب (حمزة فاغولي)، الذي يمنع خالد من الخروج مساء ويمنع عنه تعاطي هواية العزف على العود، لكن خالد يتوسل الى أبيه كي يتركه لآخر مرة يعزف في عرس أحد أصدقائه الذي وعده بتلبية دعوته، وهنا تدخل العائلة في جدال حول مكان العرس، ليؤكد خالد أن العرس في مكان مغلق (داخل مرأب) لا يدركه الإرهابيون. المخرج يشخص الحياة اليومية لعائلة خالد بكل تفاصيلها داخل بيتها الجميل، وذلك ساعات قبل وقوع الكارثة، ويحاول المخرج أن يدقق في حياة الطفل وكيف تربى في هذه الفترة، فالعائلة تشدد عليه بعدم الخروج أو فتح الباب لأي كان. نرى خالد إنسانا متزنا يحب الحياة متفوقا في دراسته، يظهر وهو يحصل على علامة 19 من 20 في الفيزياء قسم بكالوريا والأستاذة تهنئه. تفاصيل وتفاصيل تظهرها لنا الكاميرا، خاصة يوم وقوع الكارثة التي راح ضحيتها كل أفراد العائلة الذين صفاهم الإرهاب، لينجو خالد الذي كان يومها بعرس صديقه، وفور اكتشافه ما جرى يدخل في مرحلة اكتئاب واستقالة كلية من الحياة، وأثناء التحقيق في الجريمة يتعرف على دركي يرتاح له، خاصة بعد أن يعلم أنه هو أيضا فقد عائلته بعد عملية إرهابية ويأخذ بيده وينتشله من ضياعه، بعد أن يقنعه أن النجاح وحده هو التحدي المطلوب والقصاص العادل والرحمة التي يطلبها خالد لعائلته. قصة الفيلم مؤثرة وحواره قوي خال من السرد والخطاب المباشر، المشاهد متناسقة ومتتالية، فظهر الفيلم قطعة من الواقع، كما أدى بطل الفيلم دورا مقنعا، ناهيك عن بروز الممثل حمزة فاغولي في التراجيديا ونحن الذين ألفناه أكثر في الكوميديا (ماما مسعودة). للتذكير، فإن "المحنة" إنتاج مؤسسة سينما الشباب سمعي بصري ومولته وزارة الثقافة في تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، أما نصه وحواره فهو لشقيق المخرج عبد الحليم زروقي، ومن تمثيل 7 ممثلين. تحصل هذا الفيلم على الجائزة الأولى في مهرجان بانوراما السينما الجزائرية. في حديثه مع "المساء"، أشار المخرج إلى أن انجاز الفيلم تطلب قرابة سنتين وتم تصويره بولايتي تيارت ووهران، وقد عرض لأول مرة في ديسمبر 2007 بالعاصمة، وتمنى أن يلقى هذا الفيلم الذي يعد أول تجربة سينمائية له، المزيد من النجاح والإقبال. كما عبر عن سعادته بمناسبة اختيار فيلمه كأول فيلم يشارك في افتتاح النادي السينمائي لهذا الموسم، وقال "بهذا النادي أشخاص يشرفون المهنة السينمائية وبه نقاد نحن بحاجة إليهم للنهوض بالقطاع السمعي البصري". مؤسسة "سينما الشباب" سبق لها وأن أنجزت عدة أشرطة وثائقية، منها مثلا "تحت سماء بلادي" حول الشهيد علي معاشي سنة 2003، وتحصل هذا الفيلم على عدة جوائز وطنية، وهناك أيضا فيلم "الآخرون" سنة 2004 وهو خاص بالبيئة، وفيلم عن "عالم الحصان" وغيرها من الأفلام الوثائقية.