بعيدا عما يثار من ضجة حول الشاشة الفضية وما تصنعه من فرجة لجمهور يبحث عن المتعة وملأ أوقات الفراغ سنتطرق في هذه الصفحة إلى السينما كخطاب يبحث عن تحليل لحركات وصور رائعة وضفت عدة مفاهيم تظهر جميعها في عرض فوتوغرافي يحمل ما يحمل من جماليات اللغة والحوار والحركة وغيرها، وبين الفلسفة كخطاب تجريدي والسينما كفكرة وصورة إمتزج فيها الفكر بالخيال، وقف الملتقى الدولي للفلسفة والسينما على تحليل الخطاب السينمائي لبعض الأفلام الضخمة إنطلاقا من اللغة السينمائية التي تتشكل بدورها من مجموعة من الصور إضافة إلى الحوار والحركة والجانب التجميلي، وكذا كيفية توظيف الصورة لجعل السينما تعكس الواقع، وتجسد تلك القدرة على الإتصال به في حركية دائمة. ومن أجل تسليط الضوء على كل هذه الإشكالات عرضت جملة من الأفلام السينمائية كنماذج للعمل الفني الناجح بمختلف أبعاده وتقنياته وكانت بمثابة محطات مهمة إستوقفت المشاركين في الملتقى الدولي للفلسفة والسينما من أجل توضيح مايتسم به العمل الفني السينمائي من طابع نقذي ذو مأخد جدي يعكس الواقع فضلا على الجانب الترويحي والترويجي أيضا. ومن ضمن العروض التي قدمت ضمن برنامج التظاهرة الفيلم الوثائقي »التصوير في الجزائر« للمخرج السينمائي سليم أغار الذي لخص فيه وفي مدة زمنية لم تتجاوز 40 دقيقة مسيرة أكثر من 40 سنة من السينما الجزائرية من خلال عرض كرونولوجي لأهم المراحل التي عرفها الفن السابع بالجزائر بحيث عكست تلك المشاهد المختصرة الوجه المشرق الذي صنعته طاقات مبدعة كانت بمثابة شموع إحترقت لتضيىء سواء العشرية بين أحضان شاشات السينما. وإستطاع المخرج سليم أغار أن يبدع أكثر في جماليات العرض وجعل من الصورة الوجه المعبر بكل صدق عن الضروف الصعبة التي عاشها السينمائيين الجزائريين في تلك السنوات المضلمة التي عرفت صمودا قويا للسينما الجزائرية التي برزت بنوع من الخصوصية ولم تكن إلا تعبيرا بالصورة واللغة عن واقع المجتمع الجزائري في تلك الفترة، وتوجه التحليل هنا إلى مسألة الصورة واللغة السينمائية والعلاقة التي تجمع الصورة والصوت والخيال من أجل تجسيد الحقائق وسمح ذلك للمخرج أن يتحول إلى مؤلف جمع كل الجماليات ليقدم عملا سينمائيا مميزا بأفكار وأساليب جديدة ومتطورة عكست الجانب الإبداعي الرائع جدا الذي وفق فيه المخرج وإلى حد كبير في توظيف الصورة. »التصوير في الجزائر« هو صورة للتصوير السينمائي في الجزائر وجاء بمثابة وقفة تكريم لصمود السينمائيين والمخرجين على وجه الخصوص خلال العشرية السوداء وقد حقق هذا الإنجاز نجاحا كبيرا كونه جاء بفكرة جديدة تتعلق بإنجاز فيلم عن المخرجين في المرحلة الحرجة التي عاشتها بلادنا بحيث عرفت تلك الفترة إنجاز عدة أعمال ضخمة كانت بمثابة تحدي للظروف من أجل الكشف عن الحقائق ومحن الفن السابع الجزائري خلال التسعينيات. وقد ركز سليم أغار في هذا الفيلم الوثائقي على بعض المنتجين والمخرجين السينمائيين الذين قدموا أعمالا ناجحة عكست صمودهم ومهاراتهم الفنية والبداية كانت مع المخرج الكبير لخضر حمينة عن فيلم » الخريف« الذي نقل سينما حديثة النشأة إلى العالمية وتحصل على جائزة الأوسكار في مهرجان كان عن » وقائع سنوات الجمر« سنة 1975 وغيرها من الأعمال الرائعة التي عكست وروت عن تاريخ كفاح شعب وأطلق سليم أغار على هذه المرحلة عنوان »الثورة في السينما الجزائرية« ورسم به مشهدا مميزا ولم يكن العنوان للمشهد فقط بل كان عنوانا للسينما الجزائرية في تلك المرحلة.وجاءت مرحلة البنا ء والتطور الإقتصادي والإجتماعي التي عكست عهد التقدم والإنفتاح وأظهرها المخرج بفيلم »عمر قتلاتو الرجلة« لمرزاق علواش وفيلم »نهلة« و»ليلى والآخرون« لسيد على مازيف وفيلم »سقف وعائلة« لرابح لعراجي وفيلم »الطاحونة« لأحمد راشدي وهكذا إلى أن وصل إلى مرحلة العشرية السوداء التي جسدتها السينما بعدة أعمال منها فيلم »رشيدة« ليمينة شويخ و»المنارة« وفيلم »باب الواد سيتي« و»العالم الآخر« وكلها عروض رائعة أنجزت في فترات عصيبة بالنسبة للفنانين والمبدعين وكل هذه الأفلام كانت بمثابة رهانات ناجحة لقيت ترحيبا كبيرا ومثلت الجزائر في العديد من المهرجانات الدولية، وأشاد بها النقاد وكانت محطات للإبداع والتألق أطلق فيها العنان للصورة للتعبير عن أحداث مقتبسة من أصعب الأوقات والمراحل ونقلت إحساسا صادقا معبرا عن الإحترافية في العمل السينمائي الجزائري الذي جعل منه هؤلاء المخرجين ناطقا عن الواقع وجامعا لجماليات العرض وفق تقنيات متطورة حققت قفزة نوعية للإنتاج السينمائي الجزائري ووضعته في مرتبة مشرفة هي بمثابة إعتراف صريح بالنجاح . وإضافة إلى كل هذه الأعمال إختتم الوثائقي بعرض فيلم »أنديجان« لرشيد بوشارب وفيلم »مصطفى بن بولعيد« لأحمد راشدي ، كما تضمن أيضا شهادات حية لبعض المخرجين الكبار، وهكذا كان التصوير في الجزائر تحت دائرة الضوء خلال الملتقى وفضلا على ما أبرزه من حقائق حول صراع السينمائيين والأعمال الضخمة المنجزة في أصعب الظروف فهو قد عكس اللمسة الإبداعية للمخرج سليم أغار التي حملت أفكارا راقية حملتها المشاهدة والصور التي صنع منها تعبيرا جريئا عن الواقع مبرزا ما تحققه السينما الجزائرية من إنفتاح على تقنيات التصوير الرقمية الجديدة والإهتمام بأحدث التقنيات من أجل تحقيق المزيد من الجودة والنوعية كما أن ميزة سليم أغار هو أنه يميل أكثر إلى المقاربات الجديدة في الإخراج السينمائي في حرص تام على تحقيق الجودة والمساهمة في إرتقاء السينما الجزائرية. ويعتبر سليم أغار من المخرجين الشباب الذين برزوا بقوة على الساحة السينمائية واستطاع أن يربط إسمه بالشاشة الفضية الحديثة وله إهتمامات كبيرة في مجال السينما وهو أحد العاملين على تطوير هذا الفن وإيصال صداه إلى أبعد الحدود وذلك من خلال جمعية »لنا شاشاتنا« التي يترأسها وتحتوي كل المهتمين بالإخراج السينمائي وهي الجمعية الوحيدة المهتمة بالفن السابع في الوطن ولها موقع خاص تعمل على الترويج للفيلم الجزائري بشكل خاص وكانت قد نظمت خلال السنة الماضية الأيام الأولى للسينما بالعاصمة وتسير نحو المزيد من المشاريع الهادفة إلى نفض الغبار عن حقيقة السينما الجزائرية من خلال تنظيم تظاهرات خاصة وكذا كل المعلومات المتعلقة بالسينما الجزائرية من خلال موقعها الخاص، وينشط في »لنا شاشاتنا« مجموعة من الشباب المتخصص والغيور على هذا الفن الجزائري الذي عاش أوقاتا صعبة وطويلة جدا . ولأنه أراد أن يعطي لأعماله ميزة خاصة ولمسة إبداعية تربط الصورة بالواقع بل تجعل من الصورة تعبيرا صادقا عن الواقع والأحداث أنهى سليم أغار مؤخرا وثائقي آخر بعنوان »كلمات من أسير فرنسي من الحرب الجزائرية« وهو عمل آخر يحمل شهادات حية حولها إلى عمل فني مع إضفاء البصمة الجماعية مع التقنيات الحديثة المعتمد عليها في كل إنجازاته، كما حضر أيضا عملا آخر في نفس السياق والخصوصية ، ويتعلق بوثائقي بعنوان »الحرب الجزائرية في السينما« وينتظر الكثيرون مشاهدة أعمال سليم أغار كونها تخرج دائما عن المألوف وترتبط أكثر بالواقع. وقد أشاد الحضور ولاسيما الأجانب بنوعية العمل الذي قدمه المخرج وكان »التصوير في الجزائر« محل نقاش في اللقاء الدولي حول الفلسفة والسينما حيث حلل خطاب الوثائقي من جميع الجوانب الفنية والتقنية مع ربط العلاقة بالتصوير والصورة كفن وكعمل إبداعي له مفاهيم خاصة. كما عرض أيضا في إطار برنامج التظاهرة الدولية بورتريه حول »سيمون دي بوفوار وجون بول سارتر« من إنجاز المخرجة الكندية مادلين غوبيل نوييل وكذا الفيلم الأمريكي »أفاتار« للمخرج جامس كاميرون وتوبعت كل هذه العروض بنقاشات صبت مجملها حول العلاقة بين الفلسفة والسينما وجماليات العرض.