توّجت مدينة "تريم" التاريخية بمحافظة حضرموت اليمنية، عاصمة للثقافة الإسلامية، وفقا لإعلان المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الأيسيسكو)، تقديرا لدورها العلمي والثقافي والفكري، فضلا عن العطاءات الزاخرة لعلمائها عبر التاريخ القديم والحديث في خدمة الثقافة الإسلامية. ويضم البرنامج الذي يستمر تنفيذه حتى 27 فبراير من العام القادم، 111 فعالية، منها 12 معرضاً يتنوّع بين الحرف اليدوية والصور الفوتوغرافية والأزياء والموروث الشعبي، بالإضافة إلى 15 ملتقى ومهرجانا ومؤتمرا، مثل مؤتمر عن دور "تريم العلمي في التاريخ الإسلامي"، وملتقى "الطفولة العربي والإسلامي"، وملتقى "دمون الشعري للشعراء الشباب العرب" وآخر عن الفنون التشكيلية في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى مهرجان باكثير وليالي تريم ومهرجان الشعر الشعبي. كما يتناول البرنامج 24 ندوة احتفائية ب 24 علما من أعلام اليمن، بالإضافة إلى تنظيم أيام ثقافية لكلّ محافظة من محافظات الجمهورية تستضيفها تريم على مدار العام، كما تستضيف المدينة أسبوعا ثقافيا ماليزيا وآخر أندونيسيا وتركيا وغيرها من المحاضرات والفعاليات الأخرى المتنوّعة ضمّتها خطة الفعاليات التي تحتضنها مدينة تريم، ويسهم في تنظيمها أبناؤها الذين يشكّلون قوام كافة لجان المكتب التنفيذي لفعاليات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010. وباعتبارها منارة للعلم وللعلماء منذ قديم الزمن، فقد ذاع صيتها، ليس في اليمن والمنطقة العربية فحسب، بل تعدى ذلك ليصل إلى أرجاء العالم، وخصوصا في شرق آسيا وشرق إفريقيا، حيث أصبحت قبلة لطالبي العلم ويتقاطر عليها سنويا المئات من طلاب العلم للدراسة في مراكزها وأربطتها الدينية الملحقة بالجوامع، لنهل مشارب العلوم الإسلامية المستنيرة القائمة على نهج الوسطية والاعتدال والبعيدة كل البعد عن الغلو والتطرف والتشدد. ويجمع المؤرخون على أنّ أبناء هذه المدينة العريقة، كانوا في طلائع المواكب اليمنية التي حملت راية الدعوة الإسلامية بقيمها ومبادئها السمحة إلى مشارق الأرض ومغاربها منذ فجر الإسلام وخلال مختلف المراحل التاريخية المتعاقبة على الحضارة الإسلامية، ابتداءً ب"الأشعث بن قيس الكندي" و"العلاء بن الحضرمي"، مروراً ب"رجاء بن حيوة الكندي" و"شرحبيل بن السمط الكندي" و"وائل بن حجر الكندي"، وليس انتهاءً ب"سالم بافضل" و"أبي بكر بن شهاب" و"عبد الله بن عمر الشاطري" و"شهيد الدعوة العلامة محمد بن سالم بن حفيظ".. وغيرهم من الرواد الذين أثروا الثقافة الإسلامية بالعديد من المعارف والعلوم، فضلا عن كون هذه المدينة ما تزال مستمرة في العطاء وفي إنجاب المزيد من الرواد والعلماء والمفكرين. وجاء اختيار مدينة تريم كعاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010، لما تمثله من مرجعية دينية وعلمية وفكرية وفنية مهمة للتاريخ الإسلامي منذ تأسيسها، وما تحتويه من منارات علمية وأربطة فكرية كان وما يزال لها الدور الريادي والبارز في نشر العلوم الدينية والفكرية على امتداد خارطة المعمورة. وتقع" تريم" المشهورة أيضا باسم "الغناء" والمعروفة بأنها لؤلؤة مدن حضرموت وفاتنة الصحراء وعروس الوادي، في الجزء الشرقي لمحافظة حضرموت وهي أقرب إلى منطقة وسط وادي حضرموت، حيث يحدها من الشمال مديرية قف العوامر ومن الجنوب مديريتا ساه وغيل بن يمين ومن الغرب مديرية سيؤون ومن الشرق مديرية السوم، ويطلق عليها اليمنيون مدينة العلم والعلماء ومدينة العمارة الطينية والمآذن والقصور. واختلف العلماء والمؤرخون حول مرد اسم هذه المدينة التاريخية، فحسب ما جاء في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، فإن تاريخ بنائها يعود إلى القرن الرابع الميلادي، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى مؤسسها "تريم"، وهو أحد أبناء ملك حضرموت بن سبأ، في حين تقول روايات أخرى ان تسمية مدينة تريم جاءت نسبة إلى "تريم بن السكون بن الأشرس بن كندة" أحد ملوك حضرموت. وكانت مدينة تريم مقرا للحكم منذ أن سميت باسم ابن ملك حضرموت "تريم" ومن ثم عاصمة لملوك كنده، حتى أصبحت مقراً لزياد بن لبيد الأنصاري الذي عينه الرسول صلى الله عليه وسلم واليا على حضرموت، وارتبط اسمها بولاة اليمن في صنعاء ثم بالدول المستقلة في حضرموت كدولة آل راشد ودولة آل يماني ودولة آل كثير، وكان لها دور سياسي وإداري مهم كعاصمة أو كمعقل للسادة العلويين الحضارم. ولأن مدينة تريم كانت عامرة بالروحانية فقد احتفظت بمكانتها كعاصمة دينية لوادي حضرموت، حيث ما تزال مركزا تنوير وإشعاع للدراسات الإسلامية يقصدها طالبو العلم من كل حدب وصوب لينهلوا من علمها الغزير وما تزال على حالها منذ ظهور الإسلام وحتى عصرنا الراهن، وقد ساهم أبناء تريم في نشر الدين الإسلامي في دول شرق آسيا منذ نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الهجري، عندما بدأت مجاميع من أبناء تريم في الهجرة إلى بلاد الهند وأندونيسيا وسنغافورة والفلبين. وأنشأت في هذه المدينة التاريخية 365 جامع ومسجد بعدد آيام السنة ما مكنها من أن تصبح من أشهر مدن اليمن المعلقة قلوب أبنائها بالمساجد والمآذن والشغوفين بعلوم الدين، وبقدر ما اشتهرت مدينة تريم بكثرة مساجدها، فإن ما تبقى من تلك المساجد ما يزال شاهدا على معالم معمارية إسلامية بارزة تميز المدينة عن غيرها من المدن، لعل أشهرها "مسجد المحضار " الذي بني في القرن التاسع الهجري، والمشهور بمئذنته الطويلة البالغ طولها مائة وخمسين متراً والمبنية من الطين بطريقة هندسية مميزة، تدل على إبداع وتفوق أبناء هذه المدينة في ابتكار التصاميم الهندسية المعمارية المنسجمة وطبيعة المنطقة والتي تدل على التكامل والانسجام بين الإنسان والبيئة المحيطة به. أما أشهر علماء الدين الذين أنجبتهم تريم، فهم العلامة عبد الله بن علوي الحداد وأبو بكر بن شهاب والشاطري، وفي العصر الحالي، أنجبت المدينة مجموعة من خيرة العلماء، منهم السيد سالم الشاطري وعلي مشهور بن حفيظ وأخوه عمر بن محمد بن حفيظ والداعية الإسلامي الحبيب علي زين العابدين الجفري والشيخ علي سالم بكير والكثير الكثير من العلماء الأجلاء.