دمرت وحدات الجيش الوطني الشعبي منذ استقلال الجزائر في 1962 وإلى غاية 31 مارس المنصرم، قرابة 5,8 ملايين لغم مضاد للأفراد من أصل ال11 مليون لغم زرعها الاستعمار الفرنسي بالحدود الشرقيةوالغربية للبلاد، ولازالت هذه الآلات المدمرة تحصد أرواح الجزائريين الأبرياء عبر العديد من ولايات الوطن حيث تتكفل الدولة اليوم بنحو 3236 ضحية لهذه الألغام بعد استقلال الجزائر، منهم 2329 ضحية مباشرة فقدت حياتها أو جزءا من جسدها.. وتعد ولاية النعامة الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري والتي تحتضن أجزاء من المنطقة الثامنة التابعة للولاية التاريخية الخامسة، من الولايات التي تنتشر بها ألغام فرنسا الاستعمارية بكثافة، حتى أن مصادر من مفرزة الحراقة المكلفة بتنفيد برنامج الكشف وتدمير الألغام المضادة للالغام تقدر بأن هذه المنطقة التاريخية التي تعرف بأم المناطق يتوفر بها أكبر عدد من الألغام الاستعمارية، ولاسيما بمنطقة جنين بورزق التي كانت تشكل منطقة عبور عناصر جيش التحرير الوطني بين الجزائر والمغرب الشقيق، ولذلك جعلتها السلطات الاستعمارية من أشد المناطق طوقا واتخذت بها معتقلا للثوار، زجت فيه كبار قادة الثورة على غرار محمد شبوكي، عمر اوزقان وحسن الحساني، الذين ألقى بهم المستعمر الفرنسي بزنزانات مظلمة هي نفسها التي ألقي فيها الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة من قبل. وللوقوف عند الحقيقة المرة للألغام المدمرة التي تركتها فرنسا لتكريس استعمارها الغاشم إلى الأبد.. نظمت جمعية مشعل الشهيد بالتعاون مع المنظمة الوطنية للمجاهدين وجمعية كبار معطوبي جيش التحرير الوطني أول أمس بولاية النعامة ندوة تحسيسية بدار الثقافة، عادت من خلال شهادات ضحايا الألغام الفرنسية وخبراء ودكاترة باحثين، للتذكير بجرائم الحرب اللاإنسانية التي لازالت مخلفاتها تهدد حياة الجزائريين الابرياء وممتلكاتهم على مستوى المناطق التي زرعت فيها تللك السموم المتفجرة، ومنهم 244 ضحية بولاية النعامة وحدها التي لم تسلم بعد من الآثار الوخيمة المترتبة عن زرع تلك الألغام. وفي هذا الإطار أشار العقيد حسان غرابي الأمين العام للجنة الوطنية المشتركة المكلفة بمتابعة تطبيق اتفاقية أوتاوا حول حظر استعمال وتخزين وانتاج ونقل الالغام المضادة للأفراد، إلى أن سلطات الاستعمار الفرنسي زرعت ودفنت 11 مليون لغم في التراب الجزائري، بمعدل 2,1 لغم لكل جزائري، على اعتبار ان الفترة التي زرعت فيها تلك الألغام بين 1956 و1957 لم يكن تعداد الشعب الجزائري يتجاوز 8 ملايين نسمة. واوضح العقيد في سياق متصل ان وحدات الجيش الوطني الشعبي التي شرعت في عملية تطهير الارض الجزائرية من تللك الآلات المتفجرة منذ سنة 1963 تمكنت مع نهاية سنة 1988 من نزع وتدمير 8 ملايين لغما، بينما كللت جهود الوحدات العسكرية العاكفة على تنفيد برنامج تدمير الالغام المضادة للأفراد التزاما باتفاقية اوتاوا التي صادقت عليها الجزائر في ديسمبر ,2001 بتدمير 450753 لغما منذ بداية تطبيق البرنامج في أكتوبر 2004 إلى غاية 31 مارس الماضي، لترتفع بذلك حصيلة الألغام الاستعمارية المنزوعة بفضل جهود مفارز الحراقة ووحدات الجيش المتخصصة منذ الاستقلال حتى نهاية الشهر الماضي إلى أزيد من 8450000 لغم مع تطهير أكثر من 50 ألف هكتار من الأراضي التي سلمت للسلطات المدنية من اجل استغلالها في بعث مشاريع تنموية جديدة، في حين بلغ عدد الألغام التي دمرها الجيش الوطني الشعبي في إطار التدمير الذاتي للمخزون الوطني 159080 لغما منذ نوفمبر 2004 إلى غاية 28 مارس المنصرم. كما اكد العقيد غرابي بأن الجزائر القوية برصيد ثلاثة عقود من نزع الألغام البشرية و4 عقود كاملة من تجربة التكفل بضحايا الألغام المضادة للأفراد والملتزمة بمبادئ نزع الأسلحة تلتزم بتطهير كامل ترابها من بقايا المتفجرات الاستعمارية في غضون شهر أفريل ,2012 حيث تعمد اللجنة المشتركة مع كل نهاية شهر افريل على تسليم تقرير حول حصيلة السنوية للبرنامج، وقد سلمت قبل أيام تقريرها حول حصيلة سنة ,2009 مذكرا بأن عملية التطهير التي تسهر على تنفيذها وحدات الجيش الوطني الشعبي لا تقتصر فقط على خطي شال وموريس البالغ طولهما 700 كلم في الحدود الغربية و480 كلم في الحدود الشرقية، وإنما ايضا ولايات اخرى يعثر فيها من حين لآخرعلى هذه السموم المتفجرة مثلما حدث مؤخرا بولاية سطيف. من جانبه استنكر الدكتور عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف الوطني صمت الفعاليات الفرنسية ازاء مخلفات دولتهم الاستعمارية، معتبرا بأن الواقع المأساوي الذي لا زالت تمثله هذه الألغام يعد جرائم ضد الانسانية على اعتبار توفر القصد الجنائي عند مقترفيها. وحمل السيد شيخي مختلف فعاليات المجتمع الفرنسي مسؤولية ما اقترف من جرائم ضد الشعب الجزائري الأعزل إبان ثورة التحرير وبعدها، مذكرا بأن سفن القوات الفرنسية التي تحركت من ميناء تولون باتجاه الجزائر في 1830 تم توديعها في اجواء الاحتفال والابتهاج، ''ولذلك فركن الجريمة المتمثل في النية بالإضرار بالغير متوفرة في هذه الحالة''. كما أشار المتحدث من جانب آخر إلى ان فرنسا التي وقعت اتفاقية اوتاوا تحفظت وتنصلت من مسؤوليتها السابقة، ''وهو تحفظ موجه للجزائر'' على حد تعبيره. وقد عزز الدكتور المؤرخ محمد لحسن زغيدي الطرح الذي ذهب إليه المدير العام للأرشيف الوطني، فيما يخص مسؤولية الفعاليات الفرنسية المختلفة فيما ارتكبته السلطات الاستعمارية من جرائم وحشية في الجزائر، مؤكدا بأن المسؤولية يتحملها إلى جانب السلطات العسكرية الاستعمارية كل من البرلمان الفرنسي والحكومة الفرنسية اللذين وافقا على مشروعي موريس وشال، وكذا النخبة في فرنسا ووسائل الإعلام التي شهرت للمخططات العدوانية وللجرائم الوحشية التي حاولت من خلالها فرنسا إعدام كل الشعب الجزائري، بما في ذلك من كان سيولد بعد الاستقلال، ''على اعتبار ان مفهوم اللغم في اللغة العسكرية هو ذلك الجندي الذي لا ينام ولا يغفل ولا يختار ضحيته''. وبالمناسبة ذكر المتدخلان شيخي وزغيدي بأن وزير الدفاع الفرنسي السابق موريس كانت له غاية اقتصادية لدى تنصيبه للأسلاك الشائكة التي عرفت باسمه، وتمثلت تلك الغاية في الحصول على صفقة انجاز خط من انتاج مصنعه الشخصي للأسلاك. وطالب المشاركون في الندوة من خلال بيانها الختامي، الدولة الفرنسية تحمل مسؤوليتها إزاء الجرائم الوحشية التي لازالت آثارها مجسدة في الأضرار التي تلحقها الألغام بالمواطنين القاطنين بمحاذاة مواقع زرعها، مشددين على ضرورة تعويض هؤلاء والتكفل بهم. كما دعا المشاركون إلى تنظيم ندوات تحسيسية مماثلة كل سنة بالولايات المعنية بآفة الألغام الاستعمارية لتحسيس المواطنين. وتم في نهاية اللقاء تكريم السلطات العسكرية والمدنية والأسرة الثورية لولاية النعامة عرفانا لهم بالجهود المبذولة لتنقية التراب الجزائري الطاهر من مخلفات الاستعمار الوحشي. مبعوث ''المساء'' إلى ولاية النعامة: م / بوسلان