الجميع في الجزائر يعرفون مدينة ''سور الغزلان'' الواقعة في ولاية البويرة... لكن الأكيد أن القلة فقط تعرف أن هذه المدينة تحتضن أماكن أثرية بل ومدنا رومانية مغمورة تحت الأرض تنتظر أن تخرج إلى النور، فالحقيقة المجهولة هي أنها مدينة عريقة أسست بحسب المؤرخ الروماني'' تاست'' من طرف الفينيقيين في القرن 16 قبل الميلاد.. كانت تلقب قديما ب''أوزيا'' تيمنا بآلهة الخير والبركات أوزينوس لدى العبيد. إلى مدينة سور الغزلان توجهنا عبر ولاية البويرة... مناظر مختلفة استقبلتنا، لعل أهمها المروج والتلال بنية اللون التي ودعت الربيع لتستقبل الصيف بنسمات عليلة تلفح سائقي السيارات كدليل ترحيب بالزوار.. وفي هذه التلال يوجد الرعاة وقطعانهم التي تستمتع برعيها هناك حيث الأشجار الممتدة على طول الطريق الخالي من الزحام.. الأكيد أن رؤية هذه المناظر مريحة للبصر وللنفس التواقة للابتعاد عن ضجيج المدينة وتلوثها. معنى سور الغزلان عكس مايعتقده جل الناس فإن الأصل في تسمية هذه المدينة بسور الغزلان ليس له علاقة بحيوان الغزال إنما يعود لسور عظيم شيد في المدينة، أما الغزلان فهي النوافذ الموجودة فيه، يبلغ طول السور 3 كلم وسمكه 70 سم، ويتراوح ارتفاعه ما بين 5 أمتار إلى 10 أمتار، ويشكل السور مستطيلا مزودا بأربعة أبواب محصنة بأنصاف أبراج. هو معلم من الحقبة الاستعمارية بني ما بين 1846 م-1862م، لكنه للأسف يتعرض اليوم إلى التلف والزوال جزئيا بسبب عدم الاهتمام به، رغم أنه بإمكانه أن يتحول إلى معلم سياحي خلاب في حال ترميمه وحمايته من الاندثار. الأبواب الأربعة لمدينة سور الغزلان أربعة أبواب كان يدخل عبرها الزوار هي باب الجزائر في الشمال، بني سنة 855 م، يليه باب بوسعادة في الجنوب بني عام 1856 م، ثم باب سطيف في الشرق، بني سنة 1857 م، وباب مدية الذي بني سنة 1856 م، وهي شبيهة بأبواب القصور تتموقع في الجهات الأربعة للمدينة وكأنها تحرسها... وما أصعب أن لا يكون للمدينة حارس... حجارتها البنية الملساء المتراصة والمصطفة بشكل متساو ودقيق جعلتها بوابات لأزمنة مختلفة صمدت رغم كل العواصف التي عصفت بها، فعندما تطأ عتبة كل باب تعود إلى التاريخ ليذكرك بأن أمير الجزائر عبد القادر قد مر من هذا الدرب، والمحاربة الباسلة لالا فاطمة نسومر مرت من هنا أيضا... وبحسب الكاتب والمؤرخ عمر بوجردة صاحب كتاب ''سور الغزلان تاريخ وحضارة'' فإن المنطقة شهدت عدة معارك طاحنة بين المستعمر الفرنسي وجل قادة الثورات الجزائرية الذين ساهموا في صنع تاريخ المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن الأبواب الأربعة صارت ثلاثة بعد أن هدم الباب الرابع وهو ''باب مدية'' كما أن الأبواب الأخرى مهددة بالانهيارلأسباب متعلقة إما بالتأثيرات المناخية أو لعوامل أخرى تشوهها كالطلاء. والأكيد أن سقوط باب من أبواب المدينة يمثل سقوط معلم ذي بعد حضاري وتاريخي مهم للجزائر ككل... وهو مايدعو إلى التساؤل عن سبب إهمال هذه المعالم التاريخية الهامة. الثكنة الاستعمارية وأصوات المعذبين شيدت الثكنة العسكرية لسور الغزلان في الحقبة الاستعمارية عام 1850م وتقع وسط المدينة، تتربع على مساحة أربعة هكتارات، والأصل أنه كانت هناك منشأتان عسكريتان فرنسيتان إحداهما دمرت عن آخرها بسبب حريق كبير شب فيها. وبحسب رواية سكان المدينة التي تقترب إلى الأسطورة فإن أفعى شيطانية ضخمة ومرعبة ظهرت في إحداهما ولم تكن من طريقة لقتلها سوى حرق المنشأة العسكرية بأكملها!... وهكذا لم تبق سوى ثكنة واحدة تحتوي على 16 زنزانة متساوية القياس وتحوي ممرات سرية وأنفاقا يقال إنها تصدر أصواتا لمجاهدين جزائريين كان يتم تعذيبهم هناك من طرف أفراد الجيش الفرنسي. وحسب السيد بوزيد نائب رئيس بلدية سور الغزلان فإن الثكنة شيدت على أنقاض المدينة الرومانية القديمة، وهناك بالتالي حاجة إلى عملية تنقيب من أجل الكشف عن آثار المدينة ''أوزيا'' وتصنيفها ضمن المعالم الأثرية التي تفتخر بها مدينة سور الغزلان، كما أن أعمال الحفر والعمران في المدينة كثيرا ما تكشف عن منحوتات و أحجار رومانية رائعة الشكل تحمل زخارف ونقوشا فنية تعود إلى الرومان، وتقوم البلدية بالاحتفاظ بها لوقت عرضها في متحف خاص ولعل أكثر رواية شيقة تم تداولها في هذا الإطار حسب السيد بوزيد تلك التي تعود الى سنة ,1970 حيث تم العثور على جرتين مملوءتين بالذهب أثناء تعبيد طريق بالمدينة. ضريح تاكفاريناس... حارس الموتى نحو منطقة الحاكمية التي تبعد عن سور الغزلان ب11 كلم جنوبا، وبين صمت الجبال وصلنا إلى منطقة الديرة حيث توجد مقبرة للشهداء الأبرار... هناك رأينا صرحا من الحجارة البنية الملساء مستطيلة الشكل، وهو عبارة عن معلم بطابقين أرضي وعلوي يقع على مستوى مرتفع نسبيا يجعله يطل على جبال القبائل الكبرى وبعض سهوب المنطقة الصحراوية. الملفت في هذه التحفة المعمارية أنها مازالت في حالة جيدة على الرغم من قدمها، حيث يرجع تاريخ تشييدها حسب المؤرخ ''بيربروجر'' إلى عام 439 م. ويقال إن هذا الصرح شيد للقائد ''تاكفاريناس'' الذي خاض عدة معارك وانقلابات ضد الرومان، لكن المنطق يستبعد أن يشيد الجيش الروماني صرحا لمتمرد عليه، لذلك فالفرضية الثانية والتي تعتبر الصرح مركز حراسة هي الأقرب للتصديق، كون المكان استراتيجيا جدا ويسمح بمسح المنطقة كليا، وتوجد على بعض الحجارة نقوش ورسومات وحروف رومانية لازالت واضحة هذا ما سمح بالقيام ببعض الدراسات الفنية والمعمارية من أجل تصنيف الضريح الذي يعتبر من أروع المخلفات الرومانية بالمدينة. الحنية المائية.. فخر المدينة حسب السيد بوزيد نائب رئيس بلدية سور الغزلان فإن الحنية تعتبر مدعاة فخر لمدينة سور الغزلان، وأقل ما يقال عنها إنها تحفة رائعة الجمال وفاتنة، تبعد عن مركز المدينة بحوالي 2 كلم، تتواجد في المكان المسمى الأقواس وتعود إلى العهد الروماني، كانت تستعمل لتمرير الماء إلى السكان بالمدينة القديمة. وكان عددها 8 لم يبق منها سوى واحدة... وقام المستعمر الفرنسي بهدم الكثير منها ونهبها وسرقتها من أجل استخدام حجارتها في بناء بيوت للجنرالات والمستوطنين وذلك لسماكة حجارتها. يجرى من تحتها ماء الوادي وتحفها الأزهار الوردية والعشب الأخضر بشكل يشبه مداخل جنات بابل المعلقة... ويقال إن العشاق إن مروا من تحتها فإن وصال الحب والعشق بينهم لن يفك إلى الأبد... لمدينة سور الغزلان معالم أخرى وأماكن تؤهلها لأن تكون وجهة للسياح الجزائريين الذين يحتاجون فعلا إلى معرفة بلادهم أكثر... ونتساءل لما لا تتكاتف جهود الجهات المعنية من أجل النهوض بقطاع السياحة في المنطقة ونفض الغبار عن الإرث الحضاري للجزائر ومعالمه الجميلة التي تقترن بطبيعة خلابة؟