تحتفل الجزائر اليوم بالذكرى ال37 لتأميم المحروقات في ظرف ميزه هذه السنة الحديث عن مرحلة ما بعد البترول خاصة وأن الاقتصاد الجزائري يعيش من صادرات البترول والغاز، رغم أن وزير الطاقة والمناجم السيد شكيب خليل طمأن بعدم صحة هذه الفرضية باعتبار أن الأيام لا تزال تكشف آبارا ومواقع جديدة للنفط يمكن استغلالها· لا تزال الجزائر وبعد مرور 46 عاما على استقلالها تعتمد كلية على المحروقات التي تمثل أكثر من 98 بالمئة من صادراتها، رغم التأكيد على أن النفط ثروة زائلة لا بد من استبدالها بالاستثمار في الخيرات العديدة التي تملكها كالفلاحة والسياحة· وكثر الحديث مؤخرا عن واقع الاقتصاد الجزائري الذي يعرف بحبوحة مالية بفضل مداخيل البترول، وعن مستقبله بعد انتهاء هذه الثروة، حيث ترى بعض الجهات أن الاقتصاد الوطني مهدد بثلاثة عوامل وهي النمو الديموغرافي والخيارات الاقتصادية القائمة على الطاقة غير المتجددة وتدهور التهيئة الإقليمية، في الوقت الذي يحذر فيه بعض الخبراء من زوال الاحتياطات البترولية في باطن الأرض الجزائرية في أفق 25 سنة القادمة· مواقع جديدة للنفط غير أن وزير الطاقة والمناجم السيد شكيب خليل فند في عدة مناسبات هذه الفكرة التشاؤمية بخصوص زوال البترول في الجزائر بعد25 سنة، وعلل الوزير ذلك بدور التقدم التكنولوجي الذي يساهم في اكتشافات جديدة لم تكن في الحسبان، وهو ما جعله يصر على الاستمرار في سياسته الحالية وإعلان وزارة الطاقة مؤخرا عن اكتشافات جديدة لمواقع بترولية غنية بالجنوب الجزائري· كما يرى بعض الخبراء أنه بالإمكان الاستمرار في الإتكال على الموارد البترولية لتنشيط الاقتصاد الجزائري في ردهم على سؤال طرح نفسه لأكثر من مرة وهو هل نترك احتياطات المحروقات في الأرض لفائدة أجيال المستقبل أم نستعملها في تعزيز موارد صادراتنا؟ حيث اشترط الخبراء موازاة مع استغلال هذه الثروة غير المتجددة وجود كفاءات قادرة على تسيير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وتحسن استثمار الأموال المتأتية من صادرات المحروقات بشكل يمكّن من انتقال الجزائر إلى مرحلة ما بعد البترول بسلام، مرحلة سيكون فيها الاقتصاد العالمي متشابكا ومندمجا ويمثل فيه قطاع الخدمات ثلثي الثروة العالمية· مراجعة سياسة تصدير الغاز وفي هذا الصدد، دعا المختصون إلى وجوب الحفاظ على الثروات الباطنية من البترول والغاز، مشيرين الى أن الجزائر لم تعد مضطرة الآن إلى تصدير الغاز، في ظل ارتفاع أسعار البترول· رغبة منهم في الاحتفاظ بثرواتنا غير المتجددة وعدم بيعها· وفي هذا السياق لا يزال بعض الخبراء يقترحون إعادة النظر في قانون المحروقات، ورفع النسبة الضرورية التي يجب أن تحصل عليها سوناطراك إلى حدود 51 بالمائة بالنسبة لتمييع الغاز، وإعادة النظر أيضا في سياسة تصدير الغاز· ولعل ذلك ما جعل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوجه انتقادات لاذعة لهذا الواقع الاقتصادي الذي لا يعتمد إلا على المحروقات والذي أصبح مثلما أكد عليه حسبه مهددا ولم يتغير منذ الاستقلال، حيث دعا رئيس الجمهورية في أكثر من مرة إلى إعداد العدة لمواجهة مرحلة ما بعد النفط· وقد ربط رئيس الجمهورية الاستقلال الحقيقي لأي أمة بقدرتها على تملك ثرواتها واستثمار طاقتها وتنويع مصادر عيشها وكذا تأمين حاجتها الأساسية، وهذا ما يتطلب عدم الاعتماد على المحروقات· حيث اعتبر الرئيس أنه من غير المعقول أن يبقى اقتصادنا مرهونا بثروة واحدة هي النفط رغم أن الجزائر تزخر بثروات طبيعية وبشرية ضخمة· وما يحتم على الجزائر توظيف أحسن لقدراتها الطاقوية وتطويرها باعتبارها مواد آيلة للزوال هي الظروف العالمية التي تعيشها والمنافسة الشديدة بين أكبر الشركات وهو ما تم أخذه بعين الاعتبار لدى تعديل قانون المحروقات الذي يعد مكسبا لقطاع المحروقات باعتباره يعزز قدرات الجزائر الطاقوية دون التخلي عن مكاسب تأميمها الذي يحتفل اليوم بذكراها· تأميم المحروقات بعد فشل المفاوضات مع فرنسا ويعتبر قرار تأميم المحروقات من القرارات الشجاعة والحاسمة التي أعلن عنها الرئيس الراحل هواري بومدين في خطابه التاريخي الذي ألقاه على الساعة الرابعة من مساء يوم 24 فيفري1971 أمام إطارات الإتحاد العام للعمال الجزائريين بعد المفاوضات الجزائرية الفرنسية بشأن نصوص تضمنتها معاهدة إيفيان الموقعة في 7 مارس 1962، لاسيما منها ذات الصلة بحماية مصالح فرنسا وامتيازاتها في استغلال ثروات البترول في الصحراء ضمن ما عبرت عنه هذه الاتفاقية بعبارة مبهمة هي "التعاون العضوي" ، وقد بدأت تلك المفاوضات عام 1969 على أمل الانتهاء منها في جويلية عام 1970 والخروج بنتائج ترضي الطرفين، وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي شغل منصب وزير الخارجية آنذاك قد قام بعدة جولات ماراطونية ذهابا وإيابا بين العاصمتين الجزائر وباريس للقاء وزير الصناعة إكزافيه أورتولي المكلف بملف المحادثات التي كانت عالية المستوى والتمثيل الدبلوماسي، لكنها لم تنته إلى نتيجة، رغم مرور سنة عليها لاسيما وأن الطرف الفرنسي كان مصرا على مواقفه وأبدى تصلبا كبيرا لصالح شركاته البترولية على حساب حق من حقوقنا الذي يعد من صميم سيادتنا الوطنية· والطريف في الأمر أنه في الوقت الذي كان فيه الفرنسيون شبه متيقنين بالمفاوضات ستكون لصالحهم، على اعتبار أن الجزائريين في نظرهم ليسوا مؤهلين وغير قادرين على تأميم بترولهم لجملة من الأسباب في مقدمتها ضعف الإمكانات وانعدام الإطارات التي بإمكانها الاضطلاع بتداعيات مثل هذه القرارات الاستثنائية التي قد ترهن البلاد وتضعها أمام مصير مجهول، كان الطرف الجزائري يفاوض برأس مرفوع وثقة مطلقة في النفس، فهو ببساطة يملك أوراقا سحرية يقرأها فتكشف له جميع الأسرار التي يخفيها المفاوض الآخر، ويعمل على الضغط بها عند كل لقاء ومحادثة، الشيء الذي دفع بالطرف الفرنسي في بداية شهر فيفري من عام 1971 إلى إعلان وقف المفاوضات بمبادرة منه أمام دهشته وانبهاره بالقدرات الخارقة التي أبداها المفاوض الجزائري الذي أعرب على لسان الرئيس هواري بومدين عن موقفه الصريح المتمثل في قرار تأميم المحروقات ظهيرة يوم 24 فيفري 1971، وكان قرارا صائبا أعاد الحق الى أصحابه الأصليين مما جعل صحيفة "لوموند" تكتب إثر ذلك "إن الجزائر أصبحت حاملة لواء الدول البترولية التي تريد التحرر من وصاية الشركات الأجنبية منطلقة في سباق لاسترجاع ثرواتها، حيث تمضي في الطليعة الآن للوصول إلى هذا الهدف"، وبالفعل فقد حذا حذو الجزائر في قرار تأميم المحروقات كل من العراق عام 1972 وليبيا عام 1973 ·