في الفيلم الأمريكي الشهير (السيد ديدس يذهب إلى المدينة)، الذي يضطلع بدور البطولة فيه الممثل العبقري (جاري كوبر)، مشهد معبر في أثناء محاكمة البطل بتهمة تبديد أمواله. جميع الشهود يقولون عنه إنه صاحب سلوك غريب لا يصدر إلا عن مجنون، فهو حين يريد التركيز على شيء، يلجأ إلى العزف على آلة (تيوبا)، ولا يكاد يفرغ من العزف بعد بضع دقائق إلا وقد وجد ضالته التي كانت تؤرقه. ويصر أعداؤه والطامعون في أمواله على أنه مصاب بلوثة عقلية. ويرفض هو الدفاع عن نفسه، لكنه في آخر المطاف، يستنجد بسيدتين أطلقتا عليه بعض النعوت التي زادت الطين بلة في المحاكمة. ويسألهما بمكر ودهاء: هل رئيس المحكمة مصاب بلوثة عقلية مثلي أنا؟ فتجيبانه أن نعم، والدليل على ذلك أنه في أثناء تسيير المداولات لا ينفك عن وضع بعض الرسوم على الأوراق قبالته بصورة تلقائية. ويكف رئيس المحكمة عن تحريك قلمه فوق الورق. بيت القصيد في هذا الشأن هو أن الإنسان الذي يشغل باله بفكرة ما، أو تشغله قضية من القضايا، يجد نفسه في وضعية كثيرا ما تدعو إلى الشك والتشكيك في صحته العقلية. من ذلك أن الجنرال غرانت الذي كان على رأس الجيش الشمالي الأمريكي خلال الحرب الأهلية ما بين 1861 و ,1865 والذي انتخب رئيسا للولايات المتحدة ما بين 1869 و ,1877 كثيرا ما وجد نفسه في وضعية عسكرية محرجة أثناء تحضير هذه العملية أو تلك ضد عساكر الجنرال (لي) قائد القوات الجنوبية. ولذلك، كان يعتزل ضباطه، ويتناول قطعة خشبية صغيرة، ويمرر عليها السكين شيئا فشيئا لفترة طويلة وكأنه يبري قلما أو شيئا من هذا القبيل. وحين يفرغ من البري يكون قد وضع خططه العسكرية لتوجيه هجوم مضاد. نفس هذا السلوك يتكرر في حياة البشر، وفي أوساط أولئك الذين يضطلعون بمهام كبيرة في تسيير شؤون البشرية، وعلم التحليل النفسي لا يجد حلولا لمثل هذا السلوك الذي يخرج عن دائرة ما هو طبيعي بين البشر كلهم. إنسان واحد في تاريخ البشرية عرف كيف يجمع بين الأرض ومقتضيات العيش فيها، والسماء ومقتضيات العبادة والإتصال بالخالق، وأعني به الرسول (ص). وكتب السيرة تقول عنه بالحرف الواحد: كان إذا حزبه أمر صلى! وتتضح الأمور دونه بعد ذلك. ولذلك يظل مجال البحث واسعا في هذا المجال.