يتأكد من يوم لآخر أن المحطة السورية تبقى محورية في حل الأزمة السياسية التي يعرفها العراق منذ أكثر من نصف عام بعد اقتناع كافة القادة السياسيين العراقيين بمختلف توجهاتهم السياسية والدينية بأهمية الدور السوري في إنهاء حالة الفراغ الحكومي المتواصل منذ مارس الماضي.وهي قناعة أدركها حتى رئيس الوزراء المنتهية عهدته نوري المالكي الذي قرر هو الآخر التوجه إلى الجارة سوريا لبحث سبل احتواء حالة الاحتقان السياسي القائمة في بلاده بعد مرحلة جفاء بينه وبين القادة السوريين دامت أكثر من عام. ويصل نوري المالكي اليوم إلى العاصمة دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء محمد ناجي العطري في محطة أولى ضمن جولة تقوده إلى عدد من عواصم دول المنطقة في مسعى منه لرأب حالة الصدع بين مختلف التيارات العراقية وطمأنة هذه الدول بنيته بتشكيل حكومة يتعايش فيها كل العراقيين بعيدا عن أية نزعة طائفية. وحتى إذا كان عنوان الزيارة الظاهري ''تحسين العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية بما يخدم مصلحة البلدين'' بحسب ما ذكره بيان مكتب رئيس الوزراء العراقي فإن عنوانها الباطني يبقى بحث المالكي عن دعم سوريا لتمكينه من الحفاظ على منصبه لعهدة ثانية. ويسعى المالكي إلى كسب الورقة السورية لصالحه لما لها من تأثير على عدد كبير من القوى السياسية الفاعلة في البلاد والتي ترفض تجديد الثقة في شخصه لرئاسة الوزراء وعلى رأسها القائمة العراقية بقيادة غريمه إياد علاوي والمجلس الإسلامي الأعلى بقيادة عمار الحكيم. ولأن دمشق تقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء العراقيين فقد أصبحت في الفترة الأخيرة مقصدا لعديد الساسة العراقيين بمختلف توجهاتهم في محاولة لكل واحد كسب الدعم السوري لصالحه. وكان كل من اياد علاوي وعمار الحكيم قد سبقا المالكي إلى دمشق لنقل وجهتي نظرهما من العملية السياسية المتعثرة في العراق ولطلب الدعم السوري لإيجاد مخرج من عنق الزجاجة الذي علقت فيه مساعي تشكيل الحكومة الجديدة. ولا يزال الغموض يخيم على المشهد السياسي العراقي المتأزم منذ أكثر من نصف عام والذي تؤكد كل المعطيات إلى توجهه نحو مزيد من التعقيد بعد رفض القائمة العراقية الفائزة في الانتخابات التشريعية التعامل مع حكومة يترأسها نوري المالكي الذي حظي بدعم التيار الصدري بعد تعيينه مرشحا عن التحالف الشيعي لرئاسة الوزراء. ولكن هذا الترشح لم يرض عديد الكتل السياسية حتى الشيعية منها على غرار الحزب الإسلامي الأعلى وحزب الفضيلة اللذان يعدان من أهم مكونات التحالف الوطني الشيعي. وهو الأمر الذي وضع مساعي تشكيل الحكومة المقبلة في مأزق جديد جعل القادة العراقيين يبحثون عن كيفية تسويتها خارج بغداد وبالتحديد في دمشق من أجل تفادي اندلاع أزمة جديدة. يذكر أن العلاقة بين دمشق وبغداد بلغت حد القطيعة العام الماضي باستدعاء كل بلد لسفيرها في البلد الثاني بسبب اتهام الحكومة العراقية بقيادة المالكي سوريا بالوقوف وراء التفجيرات الدامية التي شهدتها بغداد يوم 19 أوت 2009 والتي أودت بحياة المئات وإصابة المئات الآخرين. ولكن عاد الدفء إلى العلاقات الثنائية شهر سبتمبر الماضي بعد أن اقتنع البلدان بضرورة إعادة العلاقات إلى سابق عهدها خدمة لمصالح مشتركة.