ما يزال الاستشراق يثير الكثير من الجدل ليس فقط في المجالات الثقافية التي استقطبت الكثير من ''المستشرقين''، بل أيضا في الميادين الأخرى التي ارتدت أثواب التبشير، الطب، الاستكشاف، ولكن لديها نوايا أخرى.. ''الاسشتراق الفرنسي وتعدد مهامه وخاصة في الجزائر''، هو عنوان الكتاب الذي صدر مؤخرا عن المجلس الإسلامي الأعلى للاستاذ الطيب بن ابراهيم، يسلط فيه الضوء على الأهداف الكامنة وراء الاستشراق وخصوصا بالجزائر. الكتاب الذي تبرز فكرته من خلال الإهداء وتتأكد أنها تاريخية ولها هدفها وغايتها، التي من أجلها تناول الكاتب الموضوع، فالإهداء يدخل في اطار الذكرى الخمسين لاندلاع الثورة التحريرية المباركة، وإن دل على شيء فإنما يدل على ارتباط الاستشراق بالاحتلال وأنه الطلائع الأولى التي تمهد الطريق والأجواء وتوفر للجيوش الغازية كل المعلومات الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية للبلد الذي يريدون غزوه. قسم الأستاذ الطيب بن ابراهيم كتابه ''الاستشراق الفرنسي وتعدد مهامه (خاصة في الجزائر)'' الى أربعة فصول ومقدمة. في المقدمة عرف بالكتاب موضوعا حيث يخلص للقول : '' السؤال المحوري الذي انطلقنا منه وطرحناه هو (ما هو دور الاستشراق الفرنسي وما هي حقيقة مهامه التي قام بها خدمة للتبشير والاستعمار وللغزو الثقافي والفكري؟''. من خلال هذا السؤال الإستراتيجي تتضح جغرافيا الكتاب عبر فصوله الأربعة، فالفصل الأول منه يعالج مصطلح ''الشرق'' والتعريف بالمستشرق، والاستشراق وتاريخه وحقيقته الثقافية، والتاريخية، وأهم مراحله، وأهم حقوله وأبرز دوله. حيث يعرف الاستاذ الطيب بن ابراهيم الاستشراق بالقول: ''الاستشراق ليس تاريخا ولا جغرافية، ولا إنسانا أو ثقافة فقط، بل هو هذا الكل...''. ثم تناول خلال هذا الفصل موضوع ''الشرق'' و''المستشرقون'' و''الاستشراق''، و''بداية الاستشراق.. المرحلة الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة والمرحلة الاخيرة''. ثم تطرق المؤلف في هذا الفصل الأول من الكتاب الى ''حقيقة الاستشراق''، الاستشراق الفرنسي''. أما الفصل الثاني من الكتاب فقد تناول فيه ''الاستشراق الفرنسي والتنصير''، والذي ساحة معركته الدين، حيث يفتتح الكاتب فصله الثاني ب''بداية الصراع'' ويستعرض بشكل سريع التاريخ ومحطاته الواصلة بين الماضي والحاضر بدءا من ''فرنسا والزعامة الصليبية'' ثم تأتي مرحلة ''الاستشراق والتبشير'' و''المستشرقون المبشرون'' ثم ''الاستعمار والتبشير''. وهذا الفصل يعطينا مشهدا من مشاهد البدايات الأولى للاستشراق في ملابسه المتعددة التي في ظاهرها مسوح رهبان وفي جوهرها أنياب تمساح وثعبان. الفصل الثالث من الكتاب عنونه المؤلف ب'' ''الاستشراق الفرنسي والاستعمار'' واستفتحه ب''علاقة الاستشراق بالاستعمار'' باعتبار أن مرحلة الاستشراق كانت سباقة للاستعمار، بل سبقته لتمهد له الطريق، فمصلحتهما واحدة ولا فرق بينهما إلا في الجانب الشكلي والوظيفي لعملهما. ثم يتكلم الكاتب في هذا الفصل عن الروابط التي تربط الاسشتراق بالاستعمار ''المصلحة الوطنية''، و''حتمية التكامل بين الاستشراق والاستعمار''، ''الظرفية التاريخية''، ''مؤتمر المستشرقين بالجزائر'' و''المستشرقون المتعاونون مع الاستعمار''. الفصل الثالث هذا حاول فيه المؤلف أن يبين خطر الاستشراق رغم الثياب التي يظهر بها قد تعجب الناظر إليها نعومتها لكنها في الأصل كما قال عنتر العبسي ''إن الأفاعي وإن لانت ملامسها... عند التقلب في أنيابها العطب'' لينقلنا الكاتب مباشرة الى الفصل الرابع والأخير والذي يفصح فيه عن هدف الكتاب، حيث احتوت الفصول الثلاثة السابقة وحدها على 180 صفحة والفصل الرابع والاخير 110 صفحة والذي عنونه ب''الاستشراق الفرنسي والغزو الثقافي''. افتتح المؤلف الفصل الرابع ب''الاستشراق والثقافة'' عرف من خلاله الثقافة بمفهومها الفردي والاجتماعي ثقافة الفرد وثقافة الأمة، ثم تطرق إلى ظاهرة الغزو الثقافي، ثم ''فرنسا تراهن على الاستشراق''، ''مدارس وكراسي اللغات الشرقية''، ''الجمعيات الاستشراقية''، ''المجلات والدوريات الاستشراقية''، ''مؤتمر المستشرقين''، ''المكتبات الشرقية''، ''دائرة المعارف الإسلامية''، ''النموذج الجزائري''، ''الحرب اللغوية''، ''الاهتمام بالعامية'' ''الاستيطان والغزو الثقافي''، ''التفرقة بين السكان العرب والأمازيغ''، و''المستشرقون الفرنسيون ودورهم الثقافي والتعليمي في الجزائر''. ثم يخلص المؤلف الى خاتمة الكتاب التي صب فيها الاستشراق الفرنسي والاستشراق الغربي في إناء واحد حيث يقول: ''إن الاستعمار الفرنسي والاستشراق والتبشير والغزو الثقافي والفكري، ما هي جميعا في الحقيقة إلا أصابع ليد واحدة امتدت إلى الشرق''. الكتاب من القطع العادي ويتوزع على 324 صفحة بما فيها الخاتمة والفهرست.