قد يظن العديد ممن لايعرفون ولاية إيليزي أنها تشهد على مر السنة أربعة فصول كاملة كباقي مناطق الوطن، إلا أن الواقع يؤكد أن سكانها لا يرون من الفصول إلا اثنين فقط، وهما الشتاء والصيف، ونادرا ما يحسون بنفحات ونسائم الربيع الذي لا يطول أمده إلا لأيام قد تعد على أصابع اليد الواحدة. نشير إلى أن الفصل الذي ساد السنة كلها هذا العام وفي ظاهرة فريدة من نوعها هو الصيف، أما فصل الشتاء فلم يتعد مداه الأسبوع، وهو ما جعل المكيفات تشتغل حتى خلال أواخر شهر جانفي الفارط! ولم يتوقف الناس عن تشغيلها إلا في أواخر شهر أكتوبر، وهو ما قد لا يحدث هذا العام، إذ أن النسمات الباردة بدأت تهب على المنطقة معلنة عن بداية فصل الشتاء. انزعاج من البرد! مع بوادر فصل الشتاء بإيليزي (الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي للبلاد) والمتمثلة في تغيّر الجو شيئا فشيئا من الجو الحار إلى المعتدل فالبارد، يشعر العديد من مواطني هذه الولاية بنوع من الانزعاج، وهذا الانزعاج يعود إلى تعود ناس إيليزي على الحرارة التي تكون قاسية إلى أبعد حد خلال أشهر الصيف، إذ تصل في هذه الأشهر أو تفوق 47 درجة تحت الظل، إضافة إلى أن حرارة إيليزي - كما يؤكد سكان المنطقة - رغم شدتها إلا أنها لا تؤذي، لاسيما وأنها تخلو من الرطوبة، عكس حرارة المناطق الساحلية التي تتميز برطوبة قاتلة وإن انخفصت درجة حرارتها. أما شتاء إيليزي ورغم قصر عمره إذ لا يتعدى بضعة أسابيع في أغلب السنوات إلا أن أهل المنطقة والعارفين وأهل التجربة يؤكدون أنه قد يضر بصحة سكان المنطقة! فرغم أن جو الشتاء هنا لايتميز بالبرد القارس، فإن البرودة كما أكد لنا العديد ممن التقيناهم تسكن العظام، لذا نرى سكان إيليزي ما إن يشعروا بقليل من البرودة وعلى وجه الخصوص ابتداء من ولوج شهر نوفمبر يلبسون لباسا ثقيلا... ولايتخلون عنه حتى لو عادت الحرارة لترتفع من جديد خوفا من المرض. السيدة فاطمة التي التقيناها بسوق بلدية إيليزي أكدت عندما فتحنا معها باب النقاش في مسألة انزعاج الناس من دخول الشتاء أن من بين الأشياء التي تزعجها عند دخول هذا الفصل خوفها من أمراض الشتاء، كأنفلونزا والتهاب اللوزتين وغيرها من الأمراض، إضافة إلى عدم وجود ملابس شتوية بالسوق، وإن وجدت - تضيف محدثتنا - فهي ذات نوعية رديئة كلها مصنوعة في الصين، فضلا عن غلائها الفاحش عكس فصل الصيف الذي لا يتطلب إلا لباسا خفيفا، ويمكن جلبه من الشمال الذي يقصده العديد من سكان الولاية من أجل قضاء العطلة الصيفية بأسعار معقولة. البدو الرحل ينتقلون إلى جوار الجبال بإيليزي هناك تحضيرات - مع قلتها - يقوم بها السكان في هذه الفترة، منها تأهب سكان المناطق النائية، ونقصد هنا البدو الرحل للذهاب من المناطق المفتوحة الباردة التي قضوا بها فترة الصيف إلى المناطق الدافئة خاصة المناطق القريبة من الجبال، إضافة إلى جمعهم للكثير من الحطب الخاص بالطهي بالكمية التي تكفيهم طيلة فصل الشتاء، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء السكان يعملون خلال هذه الأيام أو في هذه المرحلة الانتقالية على التزود بالمؤونة التي يجلبها الرجال من المناطق الحضرية والتي تبعد عنهم بمئات الكيلومترات، والتي تكفيهم طيلة أيام القر، لاسيما وأن التنقلات تقل في هذه الفترة إلى المدن، لأن المناطق النائية بردها يكون أقسى من برد شتاء المدن بهذه الولاية وأطول فترة أيضا. البرد القارس الذي تتميز به المناطق النائية يصعب التنقلات خاصة لمسافات بعيدة، أما سكان المناطق النائية من غير البدو الرحل وهم هؤلاء الذين يقطنون داخل ''الزرايب''؛ وهي أكواخ مصنوعة من نبتة الحلفاء فيقومون بتمتين زرائبهم حتى تقيهم من البرد القارس ومن الزوابع الرملية. فطور صباح خاص لفصل الشتاء أما سكان المناطق الحضرية فتقتصر تحضيراتهم - بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه من شراء لملابس شتوية - على شراء المراهم الجلدية، خاصة تلك القادمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهي مراهم لاتضر إذ أنها مصنوعة من مواد طبيعية تفيد الجلد الذي يتأثر خلال فصل الشتاء بالبرد، فيتشقق ويدمى أيضا لاسيما وأن إيليزي منطقة جافة. كما يحضرون ''التيزالفوين'' وهي عبارة عن قمح يشوى ويرحى ويخزن لاستعماله كحريرة في الشتاء، إضافة إلى تقطيع وتمليح لحم حيوان الأروى وتجفيفه تحت أشعة الشمس ليصبح بما يعرف بلغة التوارق ''ايسان ويقورنين'' وهو مفيد جدا للصحة خاصة عندما يؤكل في الجو البارد مع التيزالفوين كفطور صباح مرفوقا بفنجاني الشاي، وهي الوجبة الصباحية التي تحضر يوميا ويعتبرها التوارق من أهم الوجبات في اليوم. ولابأس أن نشير في الأخير إلى أن مدن ايليزي كلها تعرف حركة في النهار خلال فصل الشتاء لا نراها أيام الحر التي تقل فيها الحركة ويغزو خلالها الشوارع السكون، فيما يلجأ السكان شتاء إلى التزام بيوتهم وأصحاب المحال الى غلق متاجرهم ابتداء من السادسة مساء.