امتلاك أطفال الابتدائيات للهواتف النقالة متعددة الوسائط ظاهرة بدأت تطفو على السطح، وقد تنتشر بصفة ملحوظة في السنوات القادمة وسط هذه الشريحة.. والواقع أن الأمر مشروع، لكن ما يدعو للقلق هو احتمال سوء استخدام هذه التكنولوجيا، مما يؤثر على أخلاق ومستقبل الجيل الصاعد الذي سيجد نفسه وسط عالم مليء بالتقنيات التي تسلب البراءة.. عن هذا الأمر كانت لنا هذه الوقفة القصيرة مع بعض الأولياء لنتعرف على أرائهم بهذا الخصوص. يتفق كثيرون على أن تلك الأجهزة وتلك الخدمات بيد الأطفال والمراهقين تحمل بداخلها بدايات الانحراف والانحطاط الخلقي نظرا لكثرة القصص التي تؤكد على ذلك.. وأن جهاز الطفل الذي يدرس في الابتدائي ليس بالضروري أن يكون متعدد الوسائط وأن يكون آخر صيحة، إنما يكفي أن يفي بغرض الاتصال. وفي نظر السيدة ''ناريمان'' يعتبر تزويد الطفل بالهاتف النقال ضرورة بعد أن يباشر الطور الابتدائي، خاصة إذا كانت المدرسة بعيدة عن المنزل.. فقد تكون الحاجة ضرورية للسؤال عن الطفل خاصة في ظل انتشار بعض الجرائم مثل خطف الأطفال.. وحتى يتم التمكن من إعلامه عندما يتأخر أحد الأبوين عن موعد اصطحاب الطفل إلى البيت حتى لا يقلق، لكن شرط أن يكون النقال عاديا لتجنب إدمانه على سماع الأغاني والحيلولة دون الاهتمام بدروسه أواللجوء إلى التقاط صور للفتيات في الشارع والإدمان على المكالمات. ومن جهتها ترفض السيدة ''حورية.ن'' فكرة شراء هاتف نقال لابنها الذي يدرس في الطور الإكمالي أو ابنتها التي تدرس في الابتدائي.. وتقول: ''لا أرى داعيا لذلك كونهما يسكنان بالقرب من المدرسة.. فامتلاكه يفقد نصف التركيز، خاصة وأن بعض التلاميذ يستهويهم التفاخر أو استعماله للعب أو إحداث الشغب في القسم''. وتستطرد: ''تزويد الطفل بالهاتف النقال يثير الخوف من تعرضه للاعتداء.. إضافة إلى احتمال أن يكون مصدر بلاء للأطفال، ولاسيما الفتاة التي قد تتلقى مكالمات من الجنس الآخر ما يدفعها للسهر طيلة الليل في الحديث ومنه الولوج في دائرة الانحراف''. أما السيد ''كمال.ل'' فيرى أن تزويد الطفل بالهاتف النقال العادي بوصفه وسيلة اتصال أمر عادي إذا كان للضرورة، ففي الدول المتقدمة مثلا كل تلاميذ الابتدائيات مزودون بهواتف نقالة بها زر خاص بالأب وآخر خاص بالأم وثالث خاص بالشرطة ليتم استعمالها عندما تستدعي الضرورة ذلك.. لكن خارج الضرورة تصبح حيازته أمرا غير مستحب، فقد يشغله عن الدراسة خاصة إذا كان متعدد الوسائط.. وفي كل الأحوال يجب أن نحدد له مجالات وظروف استعمالاته مع الحرص على المراقبة. وتتفق الآراء أن هذا الجهاز الحديث وجد لخدمة الإنسان، وهو من يحدد استخدامها، أما عن مدى إمكانية استخدامه من طرف أطفال الابتدائيات فهو أمر مرهون بنمط التربية التي يتلقونها، فبعض حالات سوء الاستخدام تحدث بسبب الإهمال وغياب الرقابة الأسرية على أجهزتهم. تدليل غير مدروس أما فيما يخص المدارس فهناك منشور وزاري يمنع استخدام أجهزة الهاتف المحمول في المدارس الابتدائية سواء بالنسبة للمعلم أو الأستاذ.. وفي هذا الشأن تروي معلمة في القسم التحضيري بابتدائية عبد الله بربار بمدينة الرغاية فتقول: ''أنا وبحكم عملي في الوسط المدرسي أصادف بعض الحالات من التلاميذ الذين يدرسون في الطور الابتدائي يملكون هواتف نقالة بميزات جديدة، فالانفتاح الذي شهده مجتمعنا يثير القلق خصوصا مع وجود هذه التقنيات وأجهزة تحمل خدمات مجانية.. وأنا شخصيا لاحظت تغيرا كبيرا، فاليوم هناك شباب صغار في سن المراهقة يتسارعون لاقتناء هذه الأجهزة في غياب وعي العديد من الأولياء الذين يتساهلون في هذا الأمر''. وتضيف محدثة ''المساء'': ''اكتشفت مؤخرا بالصدفة وجود هاتف عند أحد أطفال القسم التحضيري، فأخبرني بأنه كان يظنه لعبة، لكن بعدما اتصلت بأوليائه تبين أنه أخذه خلسة كونه يعلم بأن والدته تستعمله عادة للاتصال، فالحقيقة أن لون الهاتف جذبه لأن الطفل بطبعه فضولي ويحب اكتشاف الأشياء المثيرة''. وتؤكد المعلمة أن امتلاك تلاميذ الابتدائيات للهاتف النقال ليس ظاهرة متفشية، لكنها تدعو إلى تسليط الضوء حتى لا تشيع بسبب الترف.. والواقع أن هناك حالات تستعمله للضرورة كونهم يسكنون في أماكن بعيدة عن المدرسة، مما يتطلب أن يتصل بهم أولياؤلهم لما تكون حركة المرور مختنقة، وهناك حالات تنتمي إلى آباء مطلقين، ونحن سجلنا بالمدرسة حالة فتاة اشترى لها والدها هاتفا محمولا ليطلع على أخبارها، وفي المقابل حالات أخرى تملكه دون الحاجة إليه، وهي تنتمي إلى شريحة الأثرياء، منها حالة طفل يملك هاتفا من نوع ''أي.فون'' بحكم أنه وحيد وينبغي تدليله''. وتشير زميلتها: ''الأسرة مسؤولة عما قد يلحق بالطفل أو ما قد يؤدي إلى انحرافه، طالما أن بعض تلاميذ الابتدائيات يستخدمونه دون رقابة أو توجيه.. فالمفروض أن توفير مثل هذه التقنيات لابد أن يكون مدروسا مسبقاً، ولابد أن تكون هناك رقابة دائمة لجهاز الهاتف النقال من قبل الأهل، غير أن المؤسف هو أن بعض الأولياء لا يتقبلون نصيحة المعلمين ويعتبرون ملاحظاتنا بهذا الخصوص بمثابة تدخل في أمر لا يعنينا.. وغالبا ما تأتي إجاباتهم على الشكل التالي: ''ما الداعي لأن أمتنع عن شراء هاتف نقال لطفلي؟''.. ''اشتريته له ليستمتع بالألعاب، خاصة وأن أقرانه يملكون هواتف محمولة'' وفي ذلك إشارة إلى حمى التقليد التي تدفع ببعض الآباء إلى اقتناء هذا الجهاز حتى وإن كانت إمكانياتهم لا تسمح بذلك. وتضيف أيضا ''هذه عينة من الحالات التي نمر بها، وفي النهاية فإن الطفل أو المراهق هو ضحية هذا الترف الذي يتم بحجة الدلال غير المدروس، فقد يساء استخدام بعض الخدمات من خلال التحرش بالفتيات - وبالعكس- أو التقاط الصور وتبادل الصور الخليعة، وإزعاج الآخرين لغرض اللهو، دون إغفال أضرارها الصحية على الأذن جراء الإدمان على استعمال سماعة الأذن''. وتدعو المعلمة المتحدثة الأولياء إلى أن ينتبهوا إلى أن شراء هاتف نقال لصغارهم قد يكون سببا في هلاكهم، لاسيما في ظل استفحال الإجرام، حيث أن بعض المدمنين على المخدرات يرتكبون جرائم القتل من أجل سرقة الهواتف النقالة. وتتفق المعلمتان على أن الهاتف النقال ليس ضروريا لتلاميذ الابتدائية والمتوسطة أيضا ممن تدفعهم المراهقة إلى استخدامه في التحادث مع الفتيات على حساب مستقبلهم الدراسي.. ومن باب المقارنة توضحان أن جيل الماضي كان لا يملك هواتف محمولة، إلا أنه كان يتميز بالأخلاق، أما الجيل الحالي المزود بأجهزة التكنولوجيا فيتميز بسلوكات دخيلة عن قيم المجتمع والدين الإسلامي. المراهقة المبكرة وحسب وجهة نظر المحامية ''سمية.م'' فإن امتلاك أطفال الابتدائيات للهواتف النقالة هو نتيجة الانبهار الذي يحمل هذه الشريحة على الاهتمام بها أكثر من فئة الشباب كونها أداة للتسلية، ووسيلة تزيد من وزنهم وسط أقرانهم بالنسبة لهم، وجراء إصرارهم الشديد على الحصول على هذا الجهاز يخضع بعض الأولياء للطلب، لاسيما وأن بعض الأطفال قد يتعرضون لاضطرابات نفسية في حالة عدم تلبية رغباتهم كونهم يشعرون بعقدة النقص أمام الأطفال الآخرين. وتكون الاستجابة لطلب الطفل محفوفة ببعض المخاطر في حالة غياب المراقبة، فقد يتصل بأصدقائه لأتفه الأسباب حتى وإن تعلق الأمر بصديقه الذي يجلس أمامه في الصف، كما قد يتأخر في الدخول إلى المنزل بسبب المحادثات التي يجريها خلسة مع الفتيات، إلى جانب احتمال أن يطلع على أمور أكبر من سنه تؤدي إلى نشوء المراهقة المبكرة، فرغم أهمية هذه الوسيلة الاتصالية، إلا أن مضارها على أخلاق هذه الشريحة كثيرة، إضافة إلى زيادة الأعباء المادية على رب الأسرة الذي سيكون مسؤولا عن توفير بطاقات التعبئة، لهذا يستحسن أن يتم تزويد الأطفال بهذا الجهاز عند الضرورة فقط مع الحرص على مراقبة قائمة المكالمات التي يتلقاها الطفل. الردع يبدأ من البيت الأخصائية الاجتماعية عمراني زهرة تقول بهذا الخصوص: ''العالم اليوم قرية صغيرة، والهاتف النقال ليس سوى وسيلة اتصال بسيطة أمام الكم الهائل من وسائل الاتصال التي أنتجتها التكنولوجيا الحديثة.. وهذا التطور الذي وصل إليه المجتمع الحديث لم يعد بمثابة رفاهية مبهرة بل مجرد تقنية عادية تستخدمها كافة طبقات وفئات المجتمع، ومنها الأطفال، خاصة وأن أسعارها في متناول الجميع''. وتوضح الأخصائية الاجتماعية أن الهاتف النقال قد يكون في بعض الحالات ضرورة بالنسبة لأطفال الابتدائيات، لاسيما أولئك الذين يقطنون في أماكن تبعد كثيرا عن مقر المدرسة، غير أنه يؤول إلى مجرد بذخ في غياب دواعي استعماله. وفي الحالات التي يكون فيها تزويد الطفل بهذه الوسيلة الاتصالية ضروريا يستحسن أن لا يكون متعدد الوسائط ليستخدم للاتصال فحسب، ولتجنب تعريضه لخطر السرقة وخطر الانحراف بسبب ما يحويه من برامج ومقاطع فيديو تضر ببراءته، فضلا عن تفادي تضييع وقته في الألعاب. وتضيف السيدة عمراني قائلة ''إن سبل الردع لمثل هذه الظواهر يجب أن تبدأ من البيت، حيث يجب أن يشرح الأولياء عدة أمور للأبناء قبل تمكينهم من الحصول على الهاتف النقال، كأن يقولوا له: ''ممنوع ان تستخدمه داخل القسم''. أو ''لا تخن ثقة الماما والبابا'' وغيرها من الضوابط التي ينبغي إطلاعه عليها، لأن الطفل اليوم أكثر ذكاء وحبا للاكتشاف بفضل التطورات الحاصلة''. وأخيرا تنصح الأخصائية الاجتماعية الأولياء بمراقبة جهاز الطفل لكن دون إشعاره بالضغط، فالتسلط قد تكون له نتائج سلبية، لذا لابد من المرونة للتحكم في تقنيات تربية الأطفال في هذا السن.