أبلغ رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي السيد محمد الصغير باباس البرلماني الفرنسي والأمين العام السابق للحزب الاشتراكي السيد فرانسوا هولند تمسك الجزائر بضرورة أن تعترف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في الجزائر، مشيرا إلى أن هذا الملف لا يجب تحميله للأجيال القادمة بل يجب معالجته في الظرف الراهن. وقدم السيد باباس في محادثات أجراها بمقر المجلس مع مسؤول الحزب الاشتراكي الفرنسي لمحة عن الدور الذي تقوم به الهيئة التي يشرف عليها في تقييم سياسة الحكومة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، لكنه بالإضافة الى ذلك فقد ركز على الكثير من الجوانب المتصلة بالعلاقات الثنائية بين الجزائر وباريس وبخاصة موضوع الذاكرة والاتحاد من اجل المتوسط. وبخصوص الملف الأول شدد السيد باباس خلال المحادثات التي جرت بطلب من السيد هولند على ضرورة ان تعترف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في الجزائر وان تضع حدا لسياسة الهروب الى الأمام، وتساءل كيف لفرنسا ان تتهرب عن تحمل مسؤولياتها فيما يخص موضوع الذاكرة في وقت سبقتها لذلك العديد من الدول، في إشارة واضحة الى اعتراف ايطاليا باستعمارها لليبيا وإقرار تعويضات بلغت 5 ملايير دولار. وأضاف ان فرنسا لا يمكنها ان تتجرد من احترام واجب الذاكرة وهي مهد حقوق الانسان الذي سيحتفل باليوم العالمي غدا 10 ديسمبر. وحسب السيد باباس فإن معالجة موضوع الذاكرة سيسمح للجانبين بالمضي قدما نحو المستقبل وبناء علاقات أكثر تميزا، وتضع حدا ل''الأزمة'' التي عرفها البلدان من 2007 الى 2009 في إشارة واضحة الى فترة حكم الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. وأكد في هذا السياق أن مسألة الاعتذار لا مفر منها وانه من الضروري ان يتم معالجتها في الوقت الحالي أي مع الجيل الذي عرف تلك الحقبة الاستعمارية، وتجنب تحميل الأجيال القادمة عبء ذلك التاريخ المؤلم. وحيا السيد باباس مواقف السيد هولند إزاء موضوع الذاكرة مع الجزائر باعتبارها تصب في سياق ما تسعى الجزائر الى تحقيقه. ويرى السيد هولند المرشح المحتمل للرئاسيات الفرنسية في 2012 في حال فوزه في الانتخابات الأولية داخل حزبه ان على فرنسا ان تتحمل مسؤولية كل تاريخها من الأكبر مجدا الى الأكثر سوادا. وفي موضوع آخر أثار رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي قضية الصحراء الغربية وأعرب عن أمله في ان تلعب فرنسا دورا ايجابيا لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره. ولكن السيد هولند لم يشأ طيلة المحادثات التطرق الى هذا الملف. ومن جهة أخرى تطرق السيد باباس مع ضيفه الذي كان مرفوقا بنائب في البرلمان الأوروبي ورئيس بلدية من أصول جزائرية الى موضوع الاتحاد من اجل المتوسط ووصفه بأنه ''مسار معقد'' وصعب التحقيق دون ان يقدم توضيحات بشأن موقفه هذا. وكانت اهتمامات السيد هولند مغايرة تماما لما طرحه السيد باباس حيث عبر عن رغبته في الحصول على إجابات بخصوص قضايا معينة، واستفسر الأمين العام للحزب الاشتراكي الفرنسي السابق عن سياسة الحكومة للتخلص من التبعية للبترول وعن برامجها لما بعد زوال هذه الثروة. وفي رده على هذا التساؤل ذكر السيد باباس ضيفه بكافة البرامج التنموية التي تمت برمجتها منذ سنة 1999 وأشار الى ان هذا الملف يشكل الشغل الشاغل للحكومة إدراكا منها بأنه يجب توظيف عائدات النفط لبناء اقتصاد قادر على خلق الثروة. وبخصوص المجلس أوضح السيد باباس ان مهمته تكمن في تقييم سياسة الحكومة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تقديم تقارير وتوصيات ترمي كلها الى تصحيح الاختلالات التي يتم كشفها. كما يقوم بدراسات استشرافية للواقع الاجتماعي والاقتصادي وذلك عبر إصدار سلسلة تقارير من شانها ان تتحول الى مرجع للحكومة في رسم سياستها في هذا المجال. وأبدى السيد باباس رغبة المجلس الذي يشرف عليه في توطيد علاقة التعاون مع نظيره الفرنسي بما يخدم مصلحة الطرفين. وللإشارة فإن زيارة السيد هولند الى الجزائر وهي الثانية من نوعها جاءت بدعوة من حزب جبهة التحرير الوطني وتتضمن أجندة الزيارة عقد لقاءات مع مسؤولين لمنظمات المجتمع المدني. وبالموازاة مع اللقاء الذي جمعه بالسيد باباس فقد أُستقبل السيد هولند من طرف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني السيد عبد العزيز بلخادم بمقر الحزب بحي حيدرة بالعاصمة وخصص اللقاء لإثارة جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك. وابلغ مسؤول الحزب الاشتراكي السيد بلخادم رغبته في تطوير العلاقات مع الجزائر في حال فوز حزبه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية المقررتين في .2012 وقال هولند في لقاء صحفي مشترك مع السيد بلخادم ''إذا وصلنا (الحزب الاشتراكي) للحكم سنعطي قوة لهذه العلاقة''. وقدم في هذا السياق تصوره لهذا التعاون وأشار الى انه يريد تجسيد التعاون بين البلدين على ارض الواقع بعيدا عن التقيد بالوثائق في إشارة إلى موضوع اتفاقية الصداقة المعطلة. وذكر بأن البلدين يملكان كل المؤهلات الضرورية للرفع من تعاونهما في المجال الاقتصادي وهذا الهدف يمكن تحقيقه مع الحزب الاشتراكي. وفي موضوع التاريخ تحدث عن الروابط التي تجمع البلدين وارتباط قطاع كبير من الفرنسيين بالجزائر والجزائريين بفرنسا. وأعلن عن اعتزام حزبه الاحتفال بالذكرى ال50 لاستقلال الجزائر، وأوضح أن الحدث مناسب للحديث عما يجب ان تكون عليه العلاقات في السنوات الخمسين المقبلة أو على الأقل في السنوات الخمس المقبلة المحتمل أن يحكم فيها الاشتراكيون. وتقاطعت تصريحات السيد بلخادم والسيد هولند حول المواقف التقليدية للدولتين والحزبين في قضية الماضي الاستعماري، مؤكدا أن واجب الذاكرة يعد عملا ينبغي القيام به ''دون خشية أي شيء'' وانه ينبغي إدانة الفعل الاستعماري ''بدون تحفظ'' حتى تتمكن الجزائروفرنسا من إحراز تقدم في علاقات تعاونهما. وأوضح السيد هولاند انه ''فيما يخصنا على مستوى الحزب الاشتراكي بخصوص واجب الذاكرة لم نغير يوما موقفنا حول الفعل الاستعماري الذي ينبغي أن يدان بدون تحفظ''. وفي هذا الصدد دعا السيد هولند إلى أهمية فتح صفحة جديدة والمضي نحو المستقبل واشترط السيد بلخادم أولا قيام فرنسا بالاعتراف بالفعل الاستعماري للمضي إلى الأمام. وأوضح الأمين العام للآفلان في هذا الصدد بأن الاحتلال جريمة وينبغي أن يعترف بها الفرنسيون.