أكد الوزير الأول السيد أحمد أويحيى أمس أن الدولة عازمة على إنهاء الوضع الحالي للاقتصاد الوطني المبني على الاعتماد على الاستثمار العمومي فقط، داعيا المتعاملين الاقتصاديين الى الوقوف إلى صف الحكومة في مسعى حماية الاقتصاد الوطني لأن الأمر يتعلق بالسيادة. وكان السيد أويحيى قد قدم أمس لدى عرضه بيان السياسة العامة للحكومة بمجلس الأمة في جلسة ترأسها السيد عبد القادر بن صالح رئيس المجلس تصور الجهاز التنفيذي لطريقة التعاطي مع الملفات الاقتصادية وبخاصة منها ملفات الاستثمار العمومي والخوصصة والتقليص من فاتورة الاستيراد. وفي موضوع الاستثمارات العمومية، أشار الوزير الأول إلى أن الدولة لا يمكن لها أن تستمر في المستقبل في تخصيص 3 آلاف أو 4 آلاف مليار دينار سنويا للاستثمار العمومي، في تلميح واضح إلى أن الحكومة قد تلجأ الى مراجعة حجم الاستثمارات العمومية بعد انتهاء البرنامج الخماسي القادم. وفي هذا السياق قال السيد أويحيى وبصريح العبارة ''من يعتقد أننا سنواصل تخصيص تلك المبالغ الضخمة للاستثمار العمومي فهو واهم''، ودعا كافة المتدخلين في الاقتصاد الى بذل المزيد من الجهود لمضاعفة مشاركة النشاط الاقتصادي في تحقيق نمو قوي ومستمر. وجاء حديث السيد أويحيى عن الاستثمارات العمومية في سياق ذكره لكافة العمليات المنفذة من طرف الدولة قبل عشر سنوات والتي سمحت بالتخلص من المديونية الخارجية ومكنت البلاد من امتلاك رصيد مالي مريح من العملة الصعبة عبّد لها الطريق من أجل إطلاق برامج استثمارية واسعة شملت كافة القطاعات. كما اعتبر الوزير الأول النمو الايجابي المسجل خارج المحروقات ''هشا'' لأنه ممول بنفقات عمومية وقد تتقلص تلك النفقات في المستقبل وهو ما قد يؤثر مباشرة على الاستقرار العام للبلاد. وواصل الحديث عن ''سلبيات'' الاعتماد على الإنفاق العمومي دون بلوغ اقتصاد محركه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الإنتاجية، وذكر أن الإنفاق العمومي الهام للاستثمار ساهم في ترقية التنمية البشرية وتحسين ظروف معيشة المواطنين بشكل كبير وسمح باستحداث مناصب شغل، مما أدى الى ارتفاع مداخيل الفرد، لكن هذا التحسن لم ينعكس على الإنتاج المحلي بل استفادت منه اقتصاديات الدول الأخرى وهو ما يؤكده حجم الواردات من السلع والخدمات التي بلغت قيمتها حوالي 50 مليار دولار سنة .2008 ويرى الوزير الأول انه لولا تدخل الحكومة من خلال الإجراءات الواردة في قانون المالية التكميلي لسنة 2009 لتجاوزت فاتورة الاستيراد مستويات قياسية، وهو أمر يتعارض تماما مع رصيد احتياطي الصرف الواجب توظيفه للنهوض بالاقتصاد الوطني، ووجه في هذا الإطار رسائل الى شركات الاستيراد والمتدخلين في الاقتصاد الوطني وقال ''ليس هناك رابح او خاسر بل كلنا رابحون او خاسرون... يجب أن تتحرك الضمائر'' متسائلا هل من المعقول توظيف احتياطي الصرف في الاستهلاك بدل خلق اقتصاد منتج''. وأوضح السيد اويحيى أن فاتورة الاستيراد وجهت كلها نحو استيراد بعض المواد غير الأساسية منها ''الحلويات والملابس ولا نقول الحليب والقمح... وعندما نرى هذا يحدث نخجل من أنفسنا ونقول ان المنتوج الوطني لم تعد له أية قيمة''. وشدد على ضرورة ان نتسلح بالروح الوطنية من اجل قلب مثل هذه المعطيات التي لا تخدم مستقبل الاقتصاد الوطني وقدم مثالا بدولة اليابان دون ان يذكرها بالاسم وقال إنها رغم تفتحها على الاقتصاد الأمريكي إلا ان مواطنيها لا يقتنون أبدا السيارات الأمريكية بل يفضلون الإنتاج المحلي. وأكد السيد أويحيى أن حماية الاقتصاد الوطني يمثل مصدر السيادة الوطنية وأن الاستقلال هو مهمة الجميع ويجب العمل معا لتحقيق ذلك، وأن المعركة الحالية التي تخوضها الجزائر هي معركة المستقبل، مضيفا ''أن احتياطات الصرف المريحة تتركنا لا نركع للآخرين، لكن ذلك لا يجب ان يؤدي بنا الى التكاسل وعدم المثابرة في العمل لبعث اقتصاد خارج المحروقات''. وأشار السيد أويحيى الى ضرورة توجيه الجهود نحو النهوض بالقطاع الصناعي الذي لم يعد يمثل سوى 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بعدما كان يساهم ب26 بالمائة من هذا الناتج وأوضح أن هذا الواقع ليس قدرا محتوما بل بالامكان رفعه بربح رهان عجلة الصناعة. وأكد في هذا السياق بأن الحكومة ستواصل برنامج الخوصصة الذي تستفيد منه المؤسسة الوطنية الخاصة دون غيرها، وستكون هناك مرافقة عمومية لكافة المؤسسات بغرض مساعدتها في دخول أجواء المنافسة. وانتقد في هذا السياق بطء الاستثمارات الأجنبية المباشرة رغم النداءات الموجهة من طرف الحكومة، وأوضح أن الجزائر من خلال الاستثمارات الأجنبية لا تسعى الى تحسين ميزان مدفوعاتها بقدر ما تتطلع الى المساهمات الخارجية في إطار الشراكة من اجل تلبية حاجاتها من التكنولوجيا والمعرفة. وجزم الوزير الأول بأن الجزائر من خلال إقحام اقتصادها في الاقتصاد والمنافسة العالميين لم ولن تتحول الى مجرد دكان لمنتجات دول أخرى، وانتقد في هذا السياق الأصوات الوطنية وبخاصة بعض وسائل الإعلام التي تقف عن غير قصد في صف بعض التكتلات الإقليمية (الاتحاد الأوروبي) في موضوع تعليق الجزائر لقائمة المواد المصنعة التي يتم تجميد إعفائها من تفكيك التعريفة الجمركية. وقال موجها كلامه لهؤلاء ''نريد أن نتفاوض بكل أوراقنا ولا نريد أن تضعفوا موقعنا''. وعلى صعيد آخر، تطرق السيد أويحيى أمام أعضاء مجلس الأمة الى التحفيزات التي تمنحها الدولة لفائدة المؤسسات الوطنية خاصة الصغيرة والمتوسطة منها وأكد أن تلك الامتيازات لا تضاهيها أية امتيازات أخرى في أية دولة كانت. سنواصل دعم قطاع السكن ومن جانب آخر، أكد الوزير الأول أن الحكومة عازمة على مواصلة سياستها الوطنية في ميدان السكن من خلال برمجة مليوني سكن جديد ستسلم منها 1,2 مليون وحدة سكنية في نهاية .2014 وأشار الى أنه بحلول 2014 ستكون 800 ألف وحدة سكنية أخرى في طور الانجاز، مؤكدا حرص الحكومة أكثر على استصلاح العمران بفضل رصيد مالي مضاعف قدر ب150 مليار دينار للمرحلة الخماسية الجارية. وأوضح السيد اويحيى أن جهد الحكومة سيستمر أيضا في مجال القضاء على المساكن القصديرية، حيث برمجت 400 ألف وحدة سكنية للقضاء على هذا النوع من السكنات كما برمج 500 ألف سكن اجتماعي على مدى الخمس سنوات المقبلة، الى جانب دعم بناء 700 ألف سكن ريفي. وعبر عن ارتياح الحكومة بخصوص أزمة السكن قائلا ''نسجل تخفيفا من حدة أزمة السكن بعد تسليم مليون وحدة خلال السنوات الخمس المقبلة وهي في الواقع قرابة مليوني سكن التي أنجزت خلال العشرية كلها''. وأكد من جانب آخر أن الحكومة من خلال هذا المسعى تتوخى ثلاثة أهداف كبرى على مدى الخمس سنوات المقبلة تتعلق برفع نمو القطاع الفلاحي وتحسين أداء القطاع الصناعي وتقليص نسبة البطالة. وأوضح بهذا الشأن أن الأمر يتعلق برفع نسبة النمو في القطاع الفلاحي الى 8 بالمائة سنويا وبرفع حصة الصناعة من 5 بالمائة حاليا الى حوالي 10 بالمائة من القيمة المضافة التي يتم تحقيقها سنويا، وبمواصلة تقليص نسبة البطالة الى اقل بكثير من 10 بالمائة. ودعا الوزير الأول في ختام عرضه كل القوى السياسية والاجتماعية الى تأييد ودعم الجهود التي تبذلها الحكومة، باعتبار أن هذا الدعم هو الكفيل بتحقيق الأهداف المتوخاة. وشدد على ضرورة أن يتم هذا الدعم بعيدا عن الحسابات الحزبية والسياسوية.