إذا كان النهوض بالتنمية المحلية مرهوناً بأموال تضخّ ومشاريع تتجسد فإن ذلك لن يسير بوتيرة صحيحة إذا كان المواطن الذي يستفيد من هذه المشاريع لا يساهم برؤاه وانشغالاته واقتراحاته ومراقبته غير المباشرة ولا يسألُ البتة عما تمّ تخصيصه لفائدته، ولذلك فإن أصحاب المصالح الضيقة يخلو لهم الجو عندما يجدون مجتمعاً نائماً ومواطنين لا يساهمون في تجسيد حقوقهم في الميدان. وقد أثبتت التجارب أن الاكتفاء بالشكاوى و''البكاء على الأطلال'' لا يفيد في شيء ولا يغير الواقع بقدر ما يغيره الحس المدني وروح التحضّر وما يتطلبه من التحلي باليقظة والمشاركة في التنمية المحلية لأنها موجهة بالخصوص للمواطن البسيط، ومثال ذلك أن السكان الذين لا يسألون عن مشروع بناء سوق جواري التهم الملايير ولم يكتمل وآخرين الذين لا يعبأون بمشروع حديقة حي هجرها القائم بالأشغال لن يحققوا يوماً ما يصبون إليه من إطار معيشي مريح ورفاه اجتماعي ما داموا غير قادرين على تكوين لجان أحياء تأخذ على عاتقها مسؤولية تسيير شؤون السكان وتسهر للمحافظة على الإطار المبني وتعمل من أجل توفير ضروريات الحياة بطرق حضارية. وإذا أجرينا عملية حسابية لآلاف المشاريع التنموية الموزعة على كل بلديات الجمهورية، فإننا ندرك تمام الإدراك أن الدولة لم تقصر في ذلك إلى درجة أن العديد من المشاريع التنموية لم تجد من يجسدها على أرض الواقع نظراً لقلة مؤسسات الأشغال الكفأة، إلى جانب ذلك يؤكد الواقع اليوم أن المنتخبين المحليين على مستوى المجالس البلدية والولائية لا تجدون شريكاً من المجتمع المدني مكوَّنا وكفؤا ونابعا من عمق المجتمع وحاملا لانشغالات المواطنين. وإن وجد هذا الإطار فإنه يكون هشاً لا يصمد أمام ''الهزات الإدارية والاجتماعية'' نظراً لنقص التجربة والميل نحو تحقيق المآرب الشخصية الضيقة، عوض التسلح بروح التحضر وهضم القوانين لمعرفة الحقوق والواجبات.