الغيرة، والحقد، والأنانية هي الثمار السلبية للأساليب التربوية الخاطئة خاصة في الشق المتعلق بالتفرقة بين الأبناء في المعاملة، فالعطاء والجزاء والثناء مجموعة من التصرفات التي يقوم بها الآباء عن قصد أو عن غير قصد، إلا أن الطفل يتلقاها على شكل صدمات صامتة تفعل فعلتها مع مرور الوقت، ليتحول الإخوة إلى أعداء في متوسط العمر تحت عيون الآباء الذين يرفضون الوضع في وقت لا يمكن ترميم ما فات. لا يختلف اثنان على أن أجمل صداقة في الكون هي الصداقة الأخوية لما لها من ميزات لا يمكن لغيرها من الصداقات اكتسابها، كونها أزلية لأن رابط الدم بها قوي علاوة على مجموعة القيم المتدخلة في تكوين متانة هذا الرابط والشعور القويين، إلا أن كل هذه المتانة والقوة قد تتحول الى عداء وكراهية ونفور إذا أخطأ أحد الوالدين أو كلاهما في الشرط الأساسي للتربية السليمة، وهو عدم التفرقة بين الأبناء، وللتفرقة آثارها السلبية التي تعذب الأبناء وتجعلهم يتخبطون بصمت وبردود أفعال سلبية أيضا، من بينها التمرد والعصيان اللذان يظهران في مراحل مختلفة من العمر، تقول السيدة وهيبة 55 سنة أم لأربعة أبناء ''بصفتي أما واحترقت بنار التفرقة التي أشعلت قلوب أبنائي خطأ أقول لكل الآباء احذروا من التفرقة بين أبنائكم... فالتفرقة بين الأبناء تسبب انعزالية الأخوان عن بعضهم، وبالتالي ينقطع بينهم الحديث في خصوصياتهم وأسرارهم ومشاركتهم لبعضهم أفراحهم وأحزانهم وعدم خوفهم وقلقهم على بعضهم، فهذا ما حصل مع أبنائي لأن زوجي كان يفضل ابنة وابنا على إخويه الذكرين الآخرين والسبب هو أن الابنة جميلة جدا ومحبوبة لدى الناس، أما الطفل الآخر فلأنه ذكي وتحصيله الدراسي جيد، أما الولدان الآخران فأحدهما قليل الوسامة ومريض، والثاني عصبي جدا منذ الصغر، أما المسكين المريض فقد كان والده يشبهه بالسنجاب، وغالبا ما يطلب منه شراء حاجيات البيت أو رمي القمامة، في الوقت الذي كان يستمتع فيه الآخرون بمشاهدة التلفزيون أو مراجعة الدروس، ويشهد الله أني كنت أحذره من هذه المعاملة، فقد كنت أعمل على تعويض ابني عما يلقاه من معاملة سيئة، إلا أنني لم أوفق للأسف في تجنيبه إحساس المفاضلة، والشعور بأنه غير محبوب، حيث أصبح انطوائيا وفقد الثقة في الجميع، كما أصبح متمردا خلال مراهقته وحاول مرتين الهروب من البيت والآن كل ما يكنه لوالده وإخوته هو الحقد والكراهية، إلا أنه كلما اختنق عاد إلي المسكين باكيا... أما العصبي الثاني لا يحب إخوته ويعتبرهم أبناء الأمراء الذين لا يضربون ولا ينهرون لهذا يمضي كل الوقت في اقتفاء آثار شقيقته في الجامعة حتى تتسنى له فرصة ضربها إذا وجد أي خطإ منها بعدما ترك مقاعد الدراسة في التاسعة أساسي''.
القليل من العدل يكفي أما مهدي 21 سنة يروي مرارة التفرقة التي يعيشها في بيتهم يقول ''أسرتنا متكونة من 5 أفراد 3 أبناء والوالدين، مرتاحة ماديا، إلا أن هذه الراحة لا يستمتع بها سوى آخي الأكبر الذي يعتبر قرة عين والدتي التي يمكنها رهن مصوغاتها مقابل تلبية طلباته البسيطة، فقط لأنه الابن البكر الذي لم تنجبه إلا بعد 7 سنوات من الانتظار، كما أنها تطلق عليه اسم ''الربح'' وتقول إن الخير عم البيت بقدومه، حتى والدي المهووس بما تقول وما تفعل أمي لا يرفض له طلبا، فقد طلب سيارة فارهة بعد حصوله على شهادة الليسانس وتمت تلبية طلبه، وهو الآن في انتظار اكتمال جناحه بالفيلا التي نبنيها، أما أنا وشقيقتي الصغرى فليس لنا الحق في المطالبة بأي شيء، رغم أن والدي يقدمان لنا ما نحتاجه، إلا أنهما أشارا إلى أنه لا يمكننا الحصول على سيارة مستقلة وأنه يمكننا الاستفادة من سيارة البيت في الوقت الذي يستمتع فيه آخي بسيارة تشرئب لها الأعناق... إنه ظلم لن آنساه، فأنا أيضا شاب ومن حقي ان أعيش واستمتع بالمزايا التي يعيش فيها آخي، أنا أيضا أدرس بالجامعة وأطيع والدي وأحبهما فلماذا يحبان آخي أكثر مني ومن شقيقتي، لهذا أتمنى أن يغيب أخي من البيت لأنه يحجبنا عن أعين والدينا... أتمنى أن يسافر بعيدا وأن لا يعود''.
لاحق لنا أمام الذكور أما منى وشهرزاد اللتان تدرسان بجامعة بوزريعة صديقتان جمعتهما الظروف العائلية القاسية المشتركة، تتأسفان كثيرا على التفرقة الموجودة بين الجنسين في البيت الواحد، تقول شهرزاد ''منذ نعومة أظفاري وأنا أحفظ نغمة واحدة قاسية ''وين خارجة يا البومبة'' ترددها والدتي كلما حملت حقيبتي للخروج مع صديقاتي، حتى أنني وصلت في مرحلة من العمر إلى كره جنسي، فقد تمنيت لو أني خلقت رجلا حتى استفيد من الكثير من المزايا الاجتماعية والأسرية، فالولد وإن أخطا فإنه يبقى رجلا، كما ان والدتي سامحها الله تخشى على التراب الذي يمشي فيه إخوتي الثلاث، بينما أعاني أنا وشقيقتي البكر الأمرين فقط لأننا بنات، فإخوتي الذكور يشعرون بأنهم مهمون وأصحاب قوة في الوقت الذي نرتعش فيه نحن من الخوف فقط لأننا وضعنا القليل من المساحيق على الوجه رغم ان كل البنات تضع الماكياج، إننا نشعر بالظلم والحرة، علاوة على أننا لا نحلم أبدا بالحصول على الميراث رغم أنه مشروع''. أما منى21 سنة التي تحتفظ بالكثير من الذكريات والحاضر السيئ بفعل التفرقة غير المقصودة، تحدثت إلينا بأعصاب مشدودة وقلب مقبوض لتفيض عيناها بالدموع في النهاية لتترجم حالة الغبن العاطفي التي آلت إليها تقول ''والدي طيبان لأبعد الحدود إلا أنهما يجهلان القواعد الأساسية للتربية خاصة فيما يخص عدم التفرقة بين الأبناء، فهم يحبون شقيقتي وشقيقي الأكبر لأنهما متفوقان في الدراسة وغالبا ما يقومون بتقبيلهم وتحضينهم أمام عيناي دون ان يمسح أي منهما على رأسي، تعبت من تلك التفرقة العاطفية، فأنا أيضا بحاجة للحب والحنان والاهتمام، قليلا ما تقبلني والدتي رغم أني أطيعها وأساعدها في أعمال البيت الكثيرة وأسهر على راحتها، وهي الأشياء التي لا تقوم بها أختي للأسف، ومع هذا فهي محبوبة جدا''.
رأي علم النفس ترى الأخصائية النفسانية ج.فاطمة الزهراء أن التفرقة بين الأبناء في الصغر أو أثناء مرحلة المراهقة خنجر يغرس في شخصية الطفل، وهي من أخطر الأساليب التربوية خاصة إذا كانت التفرقة من الوالدين، بحيث يفاضل الآباء شقيقه أو شقيقته جهارا لأسباب مختلفة كالجمال أو المرض، أو الذكاء أو حسن الخلق، حيث تتولد لديه مجموعة من المشاعر السلبية التي تلازمه طوال الحياة وعلى رأسها عدم الثقة بالنفس، علاوة على انتشار الأنانية وبذور الكراهية بين الإخوة ويتولد لديه سلوك عدواني تجاه شقيقه المفضل. أما الشخصية المميزة التي حازت على التفضيل فإنها في الغالب ما تكون شخصية أنانية، لا ترضى بالقليل تحب الاستحواذ على كل ماهو موجود دون الاكتراث لمشاعر الآخرين لأنها كما يقال ''أنا وبعدي الطوفان''. وتضيف السيدة فاطمة الزهراء قائلة ''المساواة أسلوب ضروري وهام في التربية السليمة كونها تسبب نوعا من الانسجام الذاتي أي أن الأبناء أسوياء نفسيا، كما أنهم يصبحون قادرين على مواجهة مصاعب الحياة بقبضة رجل واحد بحيث يمكن للأخ أن يعتمد على أخيه ليساعده دون أن يرى في ذلك حرجا أو نقصا من شأنه، كما يمكن للمساواة أن تنمي قدرات الطفل ومنه القدرة على المواجهة والاستقلالية''.