تعكس دعوات الخبراء الاقتصاديين مؤخرا لمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الاختلال الذي كرسه هذا الاتفاق الذي دخل حيّز التنفيذ في الفاتح من سبتمبر 2005 في مجالات التعاون الاقتصادي الثنائية، حيث كرس خدمته للمصالح الأوروبية أكثر من الجزائر التي تحولت حسبهم إلى سوق استهلاكية لهذه المنتوجات الأوروبية، في الوقت الذي تتوفر فيه البلاد على مؤهلات اقتصادية هائلة تمكنها من إقامة اقتصاد بركائز قوية خارج قطاع المحروقات. وان ما يعزز نظرة هؤلاء الاقتصاديين الذين دعوا السلطات إلى الإسراع في مراجعة هذا الاتفاق هو عدم جاهزية المؤسسات الوطنية منذ البداية لمواكبة التطورات الاقتصادية بسبب نقص التأهيل والتنافسية، مما كرّس الاختلال في خدمة المصالح المتبادلة بين الجانبين والتي كثيرا ما مالت كفتها التجارية بالنسبة للمواد خارج المحروقات لصالح الطرف الأوروبي، في الوقت الذي يمثل فيه الاتحاد 50 بالمائة من إجمالي مبادلات الجزائر. وتبرز آخر إحصائيات الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية ''الجكس'' حول المبادلات التجارية الثنائية ان نسبة الواردات الجزائرية من الاتحاد تقدر بنسبة 89 بالمائة، أي اكثر من 6,20 مليار دولار بانخفاض طفيف يقدر ب5,0 بالمائة مقارنة مع سنة .2009 وتتمثل هذه الواردات في سلع وتجهيزات صناعية بقيمة 8 ملايير دولار أي ما يعادل 52 بالمائة من الواردات الجزائرية للمنتجات الصناعية، حيث تستفيد من مزايا تفضيلية بقيمة تقدر ب169,14 مليون دولار وقد انخفضت هذه المنتجات بشكل طفيف بنسبة 75,0 بالمائة مقارنة مع سنة ,2009 المنتجات نصف المصنعة بقيمة تقارب 6 ملايير دولار أي 5,28 بالمائة، الاغذية بحصة تقدر ب13 بالمائة أي بقيمة 7,2 مليار دولار، السلع الاستهلاكية غير الغذائية التي تمثل 37 بالمائة من اجمالي مشتريات الجزائر من هذا النوع من المنتجات. وفيما يتعلق بقائمة المنتجات الزراعية المستوردة المستفيدة من المزايا التفضيلية فيبرز هيمنة المنتجات الخاضعة لنظام الحصص المقدرة ب93 بالمائة والتي تتمثل في القمح اللين بحصة تقدر ب300 الف طن تمثل 5,7 بالمائة من الكمية المستوردة، القمح الصلب بحصة تقدر ب100 ألف طن تمثل 5,22 بالمائة من الكمية المستوردة، بذور البطاطا بحصة تقدر ب45 ألف طن تمثل 39 بالمائة من الكمية المستوردة. اما بخصوص قائمة المنتجات الزراعية المعفاة من نظام الحصص فتتمثل في التبغ والشعير والأرز. وبخصوص مجموع المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية المحولة المستفيدة من المزايا التفضيلية فتقدر ب2,2 مليار دولار، حيث تمثل 80 بالمائة من اجمالي الواردات الجزائرية القادمة من الاتحاد الاوروبي. وفي المقابل بلغت صادرات الجزائر نحو الاتحاد الاوروبي 28 مليار دولار سنة ,2010 اذ تشكل المحروقات 27 مليار دولار أي 97 بالمائة وقيمة 06,1 مليار دولار فقط من الصادرات خارج المحروقات. وتمثل المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية المحولة منذ 2005 في المتوسط 3 بالمائة من اجمالي الصادرات خارج المحروقات نحو الاتحاد وتتمثل اهم المنتجات في التمور، المشروبات الغازية، بذور الخروب، السكر، زبدة الكاكاو وبقايا المواد الدهنية. وفيما يتعلق بالمنتجات الصناعية فتشكل الصادرات المعفاة كليا باتجاه الاتحاد الاوروبي منذ سنة 2005 ما معدله اكثر من 90 بالمائة من الصادرات باتجاه المجموعة الاوروبية، حيث سجلت سنة 2008 ارتفاعا يقدر ب01,37 مقارنة بتلك المسجلة في .2007 كما عرفت انخفاضا في 2009 بقيمة 569 مليون دولار امريكي مقابل 1180 مليون دولار امريكي سنة 2008 أي بنسبة 5,51 بالمائة بسبب تراجع العملة وانخفاض اسعار المواد الاولية في الاسواق الدولية، اما اهم المنتجات المصدرة باتجاه الاتحاد فتتمثل في الامونياك، الزنك، الفوسفات، الهليوم، الميثانول ونفايات الحديد والصلب وبخصوص المنتجات المصنعة فتتمثل في الزجاج المسطح والجلود المدبوغة. وهكذا يبرز كالعادة طغيان المحروقات على الصادرات الجزائرية تجاه بلدان الاتحاد على غرار الدول الاخرى في ظل غياب تنافسية حقيقية للمؤسسات الوطنية في القطاعات الاخرى، مما انعكس سلبا على الاقتصاد الوطني حسب العديد من المختصين الذين اعابوا التسرع في التوقيع على الاتفاق الذي كان ناجحا من المنظور السياسي، بحكم ان الجزائر كانت في موقع ضعف، بل ان هناك من المختصين على غرار الخبير مصطفى مقيدش الذي تحدث عن تلاعبات الطرف الاوروبي حتى في مجال التعاون المحروقاتي مع الطرف الاوروبي في ظل غياب عقد استراتيجي حقيقي يحمي المصالح الوطنية، داعيا الى تدارك ذلك في برنامج الطاقات المتجددة الذي تعتزم الجزائر اطلاقه مستقبلا في اطار مشروع ديزرتيك. كما يجمع العديد من المختصين الذين شاركوا في اليوم البرلماني الذي نظمه المجلس الشعبي الوطني حول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني الاسبوع الماضي ان الجزائر خسرت تجاريا مع الطرف الأوروبي من خلال تراجع العائدات الجبائية من مداخيل المحروقات بالرغم من تزايد الاستثمار المباشر في الجزائر على عكس ما تتداوله دول الاتحاد على أنها تكبدت خسائر من مبادلاتها مع الجزائر رغم المزايا التي تقدمها الجزائر كالإعفاءات الجمركية للسلع المستوردة من هناك، وفي المقابل تم تسجيل تفاقم في العجز التجاري خارج المحروقات لفائدة دول الاتحاد وبالتالي خسرت الجزائر رهان اتفاقية التبادل الحر.