دعا المشاركون خلال اليوم البرلماني حول ''اتفاقيات الشراكة المبرمة مع الاتحاد الاوروبي وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني ''الى مراجعة جذرية لهذه الاتفاقيات التي لا تخدم المصالح الوطنية، مشيرين الى ضرورة اشراك المختصين الاقتصاديين لارساء توجه جديد يتدارك الاختلالات السابقة التي تم على ضوئها ابرام مثل هذا الاتفاق دون الاخذ بعين الاعتبار معطيات البلاد، مما انجر عنها عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني. وقد شكل هذا اليوم الدراسي فضاء للخبراء والمختصين الاقتصاديين للتذكير بتحفظاتهم التي صاحبت التوقيع على الاتفاق منذ البداية والاستشهاد بالانعكاسات التي افضى اليها، لتتحول مداخلاتهم الى جلسة محاسبة وعتاب وتقديم بدائل التقت جلها عند ضرورة وضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار. وقد ركزت كلمة السيد عبد العزيز زياري رئيس المجلس الشعبي الوطني التي قرأها نيابة عنه السيد عز الدين بوطالب حول هذه النقطة، عندما اشار الى ان المقاربة التجارية لهذا الاتفاق لم تسفر عن مسار تنموي كفيل برفع التحديات الاقتصادية وخاصة منها التحديات الاجتماعية التي تواجهها بعض دول الضفة الجنوبية والاخطر من ذلك هو اتساع الهوة فيما يخص الثروات والازدهار بين بلدان الضفتين. ورغم إقراره بأن ابرام الجزائر لاتفاقات الشراكة مع الاتحاد الاوروبي يعتبر قرارا سياسيا وفق منظور حاسم وصارم لاضفاء بعد استراتيجي طويل المدى على هذه العلاقات مع المجموعة الاوروبية، إلا أن زياري سجل تركيز الشركاء الاوروبيين على الجانب التجاري للاتفاقات ومن ثم تجاهل ''الحقائق الاقتصادية والاجتماعية وحتما السياسية لبلادنا''. كما حمل رئيس المجلس الشعبي الوطني الاضطرابات السياسية التي تشهدها بعض دول الضفة الجنوبية والتي تربطها اتفاقات مع اوروبا للصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها هذه الدول، ومن ثم فإن الشركاء الاوروبيين معنيون ايضا بهذه الاضطرابات كونها ''احدى مظاهر الاخفاق النسبي للشراكة التجارية المبرمة مع بلدان الضفة الجنوبية''. وعليه يرى رئيس المجلس الشعبي الوطني انه من الضروري مراجعة اتفاقات الشراكة بهدف اقامة شراكة جديدة بطموح اوسع وأن يبنى مستقبل العلاقات بين اوروبا وبلدان المغرب العربي على علاقة متساوية من الاساس. من جهتها، اشارت السيدة بوسماحة هوارية، رئيسة لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط الى ان الهدف الاساسي الذي دفع بالجزائر الى ابرام مثل هذا الاتفاق هو الرغبة في فك العزلة التي كانت تعيشها البلاد جراء المأساة الوطنية وتطوير الاقتصاد من خلال توظيف مختلف الاستثمارات المباشرة للمؤسسات الاوروبية في الجزائر وإعادة تأهيل المؤسسات الجزائرية بموجب ربط علاقات شراكة فعلية بين المؤسسات الوطنية بالمؤسسات الاوروبية. وقالت ان القبول بشروط الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في الفاتح من سبتمبر 2005 تم دون اجراء تفاوض متكافئ ومتوازن يحفظ مصالح الطرفين معا، مضيفة أن هذه السياسات التصحيحية التي حصلت باسم الاصلاحات بالشراكة مع الاتحاد الاوروبي لجلب الاستثمارات الاجنبية المزعومة لم تخدم الا مصالح الشركات متعددة الجنسيات وأنه ''صار لزاما علينا التوقف عند هذا الحد لاظهار نتائجها في ظل اختلال الميزان التجاري بين الطرفين''. وعليه جاءت مناقشة مضمون الاتفاق واهدافه لاجراء حصيلة جوهرية لاثاره على الاقتصاد الوطني، في الوقت الذي تاكد فيه استمرار التناقض بعد اتخاذ الدولة لجملة من القرارات السيادية بموجب قانوني المالية التكميليين لسنتي 2009 و,2010 بمعنى بسط سيادة الدولة في كل عقد شراكة وفق قاعدة 51 بالمائة للدولة و49 بالمائة للاجانب وكذا بفرض وزارة التجارة في نهاية السنة الماضية للرسوم الجمركية على 1741منتوجا أجنبيا. من جانبه اكد الخبير الاقتصادي السيد مبارك سراي ان التوقيع على هذا الاتفاق الذي وصفه ب''الفخ '' كان بمثابة نجاح سياسي للبلاد التي كانت تعاني عزلة سياسية وضغوطات اقتصادية من مؤسسات مالية دولية، مشيرا إلى أن الطرف الاوروبي فرض إملاءاته علينا دون اضفاء البعد الاستراتيجي الحقيقي لمفهوم الشراكة في وقت سعى فيه لجعل الجزائر مجرد سوق استهلاكية، وحمل مسؤولية ذلك لما أسماها بالسياسة الترقيعية المتبعة في غياب الاتصال والتشاور بين القطاعات المعنية، واشاد في هذا الصدد بالقرارات التي اتخذتها الحكومة في اطار قانون المالية التكميلي. وقدر السيد سراي الخسائر التي مست عدة قطاعات جراء تطبيق هذا الاتفاق خلال السنوات الماضية ب 2,2 مليار دولار سنويا، مشيرا إلى ان هذه الخسائر قد تصل مستقبلا الى 7 ملايير اذا لم تتم مراجعته. كما استعرضت بقية المداخلات التصورات التي يتوجب اعتمادها في التعامل مع الشريك الاوروبي وفق شروط احترام السيادة الوطنية وضمان التنافسية بالتركيز على تأهيل المؤسسات والحفاظ على مناصب الشغل.