بكل تراثها المادي وغير المادي الضارب في الأعماق المميّز لمنطقة الهضاب العليا، حطّت القافلة السطايفية أمس ضيفة على العاصمة في أسبوعها الثقافي في إطار فعالية "مدن وثقافة" لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"· وعلى أنغام الصراوي الصداح بحناجر ثلة من عمريات سطيف، انطلقت أمس ببهو رياض الفتح فعاليات الأسبوع الثقافي السطايفي الذي حملت بدايته توقيع فرقة الفلكلور الشعبي لبلدية حمام السخنة التي قدمت لوحات فنية مستقاة من تراث المنطقة صنعتها إيقاعات البندير ونغمات الزرنة والقصبة· "أزديف"، "ستفيس" أو "سطيف" تعدّدت الأسماء والمسمى واحد "عاصمة الهضاب العليا" مدينة الولي الصالح "سيدي الخيّر"، أتت الى العاصمة محملة بكنوز تراثية وفنية متنوّعة أراد من خلالها أبناؤها إبراز مختلف الحقب التاريخية التي تعاقبت على المنطقة بداية من عصر ماقبل التاريخ مهد الانسان الأول والحضارات الى غاية الألفية الجارية· وأبت سطيف إلا أن تكون بوابة معرضها من حيث يبدأ التاريخ في معرض خاص بالمتحف الوطني للآثار يضم لوحات تبرز التسلسل الكرونولوجي لسطيف عبر العصور من ماقبل التاريخ، حيث موقعا "عين لحنش" و"كاف الزمان" مرورا بالفترات العتيقة من بوابة الجميلة "كويكل" فستفيس الى "مونس" (بني فودة حاليا)· أما الفترة الوسيطة فكانت حاضرة عبر بعض النماذج المعمارية تمثلها مجموعة من المساجد والزوايا ومخطوطات في علم الفلك لعبد الرحمن بن محمد والشيخ الزكي بن حداد· مدنية سطيف حاولت أن تبرز ثلاثة معالم كبرى لكل من زارها من حيث الموقع أو من الناحية التراثية والفنية وهي "الجامع العتيق" ذو الطابع العثماني، بمئذنة تحمل مواصفات فنية مغربية الى جانب رمز المدينة عين الفوارة تلك التحفة الأسطورية التي أبدعت في نحتها أنامل الفنان الفرنسي فرانسيس دوسان فيدال· منطقة القبائل الصغرى ممثلة في دائرة العلامة الفضيل الورتيلاني بمجموعة مخطوطات وأدوات تقليدية فلاحية وأواني فخارية· الأكلة الشعبية هي الأخرى انتشرت رائحتها في أروقة رياض الفتح من خلال وجبات "الرفيس" ذو الأصول الأمازيغية و"البربوشة" السطايفية الضاربة جذورها في تاريخ المنطقة، أشرفت على تحضيرها ورشة تقليدية لعمريات سطيف· الفن الزخرفي كان حاضرا بلوحات فنية لمجموعة تقنيات لمختلف المدارس من السريالية الى الواقعية التي حضرت بقوة ممثلة بمجموعة من عمالقة الريشة السطايفية الأساتذة غجاتي عبد الله، زوادي ديف، الفنان رضا بودينة والأستاذ محمد فركوس صاحب بصمة التنظيم في اللامنتظم· عرس سطيف بالعاصمة ضمّ معرضا خاصا باللباس التقليدي جسّده بينوار شرب الزدف الذي يعد مرجعا هنداميا يعرف المرأة السطايفية، الى جانب مجموعة أخرى من اللباس الذي تحتاجه المرأة للظهور في شكل لائق، وذلك زيادة على مجموعة من الألبسة الرجالية كسروال العرب الى الفندورة والبرنوس و"الكاشطة" بألوانها التي تعدّ رموزا حضارية· ولبست مساحة العرض كسوة تقليدية مشكّلة من عنصرين هامين مميّزين للمنطقة وهما "الحنبل" و"الحيك، فيما افترشت أرضيتها فراش بوطالب لجمعية "شروق عين أزال" و"زربية الفرفور" التي تهيمن على المنطقة الشمالية للقبائل الصغرى· وقد شكّل هذا الكوكتال فسيفساء جلبت منذ الوهلة الأولى أذواق واهتمامات زوار الجناح السطايفي، لا سيما الفضوليين منهم· توّج يوم الافتتاح بسهرة فنية كانت فرصة مواتية لعرض عمل فني رائع للأستاذ مراد بن الشيخ، جسّده عدد من مسرحيي المدينة، فقدموا غنائية "سطيف العالي"· وسيعرف الأسبوع الجاري العديد من الأنشطة عبر مختلف قاعات العاصمة، على غرار مونولوغين مع الفنانين العمري كعوان والتوفيق مزعاش، بالإضافة الى مسرح الأطفال· *