أن يتحدث الإنسان لغات عديدة فهو شيء جميل، ولكن أن يأخذه إحساسه الرقيق إلى التخاطب بلغة الزخرفة، فهذا ما يعد أمرا إستثنائيا يأخذ بصاحبه إلى مرتبة لا يصلها إلا من استطاع أن يتغلغل في خصوصيات هذا الفن، المعروف بتفاصيله وتنوعه بين الفضاءات الهندسية والزهرية والكاليغرافية. تحدث المختص في الزخرفة،الفنان محمد طلحاوي مع ''المساء''بلغة غير متعارف عليها ألا وهي لغة الزخرفة، فكان علينا أن نترك الحرية لمشاعرنا الرقيقة ومن ثم نترقى إلى مصاف هذا الفن بعد أن نتعرف على بعض تفاصيله، وهذا لكي نصل إلى مرتبة من يتحدثون بهذه اللغة الفنية الجميلة. وتحدث الفنان ل''المساء''عن بعض الزخارف المعروفة التي قام بتجسيدها في شكل مجسمات ولوحات ليشارك بها في المعرض الذي أقيم على هامش الملتقى الدولي، الذي نظم مؤخرا في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وبعنوان:''المعارف والمهارات العتيقة بتلمسان ونواحيها''. وقال طلحاوي أنه وضع زخرفته على ثلاث مستويات؛ الكاليغرافي، الهندسي والزهري، مضيفا أنه قام بتجسيد مجسمات مثل قبة الأميرة سيدي يعقوب ومئذنة أقادير وباب المدرسة التشفانية، وأبرز فيها جمال الزخرفة التي جمعت بين الأشكال الهندسية والأزهار والكاليغراف. وفي هذا السياق، رسم محمد بعض زخرفة المدرسة التشفينية بصورة مكبرة، حيث أبرز من خلالها أشكال زخرفتها الثلاث وهي: المربع والمثلث وخماسي الأضلاع والتي توافق كل مجموعة منها لزوايا معينة توّجه تحركات الخط، فجاءت لوحة زليج المدرسة التشفينية، مرسوم فيها جزء من الهندسة عبر المربع بشكل مكبر، وهذا حتى تظهر كل تفاصيل الزخرفة المعنية. ودائما في مجال المدرسة التشفينية، رسم محمد لوحة كبيرة عن الجهة الزهرية لباب المدرسة التشفينية، كما أعاد وبكل دقة وجمال لا متناه مجسما لبابها، وصنع أيضا مجسما مصغرا لسقف سيدي بلحسن وأظهر فيه كل تفاصيله مثل تقاطيع الخشب ونفس الشيء بالنسبة لمئذنة سيدي بومدين. وفي هذا الصدد، يقول محمد: ''أعدت صنع باب المدرسة التشفينية بكل تفاصيلها واعتمدت في ذلك على الوثائق التي تحصلت عليها، فيما يخص هذا المعلم التاريخي الكبير، بالمقابل، تناول الفنان بصفة مفصلة مشروعه الكبير الذي يعمل على إثرائه والمتمثل في تجسيد مكتبة ضخمة تضم التراث المختص بفن الزخرفة، حيث يقوم بتزويد مكتبته الإفتراضية بكل المعلومات التي تخص الزخرفة بتلمسان وكذا بالمغرب العربي وغرناطة والأندلس. وتنقل الفنان أيضا إلى الأندلس وغرناطة وقام بمعاينة الزخرفة في قصر الحمراء وكتب عنها في مقال بجريدة أندلسية بالتعاون مع أستاذ مختص في الرياضيات،وهذا بعد أن عاين خصوصيات هذا الفن في تلمسان مسقط رأسه أولا، لينتقل إلى الأندلس فغرناطة لنفس الغرض، ووجد الفنان أن اللغة الزخرفية في هذه المناطق متشابهة وأحيانا متطابقة فيما بينها. وعن مكتبته الخاصة بالفن الزخرفي، قال محمد أنها مشروع شخصي دأب في تطويره منذ سنوات طويلة، مضيفا أنه قرر التعاون مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ بالعاصمة في هذا الشأن، ليستطرد قوله أنه يتمنى أن تنتقل مكتبته إلى العالم الواقعي، أي أن تتجسد فعليا على أرض الواقع، باعتبار أنها في الفترة الحالية عبارة عن موقع إفتراضي. ويهدف محمد، من خلال مكتبته هذه، إلى إحصاء وتصنيف التراث الزخرفي وكذا صون والمحافظة على هذا التعبير الفني، علاوة على توفير معلومات عنه للباحثين والفنانين بالإضافة إلى نشر كتب وتنظيم معارض حول هذا الفن. وعن حب محمد للزخرفة، تحدث أيضا فقال أن هذا الفن يجمع بين الجمال والشاعرية والعلم، حيث توصف أشكاله الهندسية بالدقة اللامتناهية ،أما عن أزهاره فهي تتشكل من رسوم تضم مقوسات تختلف حسب أشكالها وتعابيرها. للإشارة، محمد طلحاوي فنان عصامي ومدير ورشة الخط بتلمسان، له باعا كبيرا في فن الزخرفة ،أخذ على عاتقه مسألة الحفاظ على هذا الفن الذي يعود صنعه إلى فترة المرابطين والزيانيين والمرينيين، وهذا باستعماله لمواد مختلفة مثل الجبس والخشب والزجاج والأزياء.