يحتضن رواق ديدوش مراد إلى غاية 10 ماي القادم، معرضا جماعيا خاصا بالزخرفة على الخشب، يبرز من خلاله تراثا عريقا أنقذته يد الإبداع من الجمود والاندثار. يشهد المعرض إقبالا كبيرا خاصة من جمهور النساء، حيث تجذب المعروضات المارة عبر شارع ديدوش مراد. علما أن أغلبية من تحدثت إليهم ''المساء'' أكدوا أنهم عند دخولهم المعرض أن المعروضات مستوردة وذلك من فرط جمالها واتقان صنعتها ''الحرة''. عبرت السيدة بلخير فضيلة (أستاذة الأدب الفرنسي) في لقائها مع ''المساء'' كواحدة من الفنانين العارضين، عن افتخارها بهذا التراث الفني ذي الخصوصيات الجزائرية، والذي كاد أن يندثر من تراثنا الذي توارثناه، بسبب العزوف عن استعماله واستبداله بالديكور العصري، إلا أن المبدعين، خاصة من جمهور الباحثين والخبراء استطاعوا أن يرجعوه الى الواجهة في أبهى حلة وبأرقى التقنيات الفنية، التي لا تتعدى على الخصوصية الثقافية لهذا الموروث ،الذي تتقاسمه مختلف مناطق الوطن منذ قرون طويلة. تقول السيدة فضيلة، أنه لدينا اعتقاد خاطئ بأن هذا الفن ذو أصول غير جزائرية، لكن الحقيقة التاريخية تبرز عكس ذلك، حيث أن الجزائريين كانوا مولعين منذ القدم بفنون الخشب والزخرفة عليه، علما أن الجزائر لا تنقصها شتى أنواع الخشب كثروة وطنية تدخل في الفن والصناعات التقليدية. للإشارة، تشمل المعروضات لوحات متفاوتة الحجم وصناديق وكراسي ديكور وأطباقا وفوانيس وأعمدة ومرايا وعلبا خاصة بالمصحف الشريف وحاملات المفاتيح ومرايا الزينة الخاصة بالمرأة والمرافع والموائد وغيرها، وكلها تحف يهيأ للزائر أنها قطع مهربة من تاريخ عتيق. لعل ما شد الجمهور أكثر، المرايا التي كانت غاية في الإبداع، كذلك الحال مع الصناديق التي كانت تستعملها المرأة الجزائرية لوضع ملابسها أو التي كانت تخبئ فيها مختلف أنواع الأطعمة الخاصة بالبيت (كالدقيق الكسكسي الجاف، القهوة، السكر وغيرها)، إضافة الى الصناديق الصغيرة (صنيدقات) الخاصة بالذهب والفضة والمجوهرات والمال، لذلك فهي جزء من ديكور المنزل، وبالتالي كان لزاما أن تكون تحفة فنية. راج هذا الفن أكثر في عهد العثمانيين وأصبحت صناعته فنا راقيا خاصة بالمدن. تؤكد الفنانة فضيلة أن زخرفة الخشب عندنا تختلف عن زخرفة العديد من البلدان، فمنطقة الشام لها خصوصياتها وكذلك لزخرفة الشام معالمها المتمثلة أكثر في استعمال معدن الفضة في الزخرفة. الفن الجزائري يعتمد على خليط من الرموز والأشكال، لذلك نجد أكثر محتوياته الزهور المنتشرة في الطبيعة الجزائرية، وكذلك الأسماك والطيور، منها طائر بلحسن الذي وظفه الفنان العبقري، بن دباغ، كرمز في فن زخرفة الخشب. كانت بيوت الجزائريين لا تخلو من هذا الفن، إلا أنه ومع الزمن تراجع حضوره إلى أن بادرت مجموعة من الفنانين والخبراء بإعادة بعثه، منهم الأستاذ مزوان مرزاق الذي بدأ في القصبة كمرمم لأدوات الديكور القديمة.. علما أنه كان من ألمع تلاميذ الفنان بن دباغ، كذلك الحال مع الأستاذ بوعكاز، كربوش مرسلي، وغيرهم من المختصين في هذا الفن. مع بروز هذا الفن أصبح الأستاذ مزوان مثلا أستاذا لعدة طلبة بشركة الفنون الجميلة بغرمول (إضافة الى فروع أخرى بالعاصمة) وهناك شاع هذا الفن وأصبح له فنانوه. تقول السيدة فضيلة ''اعتز بأني تكونت على يد هذا الفنان الذي يعلم الكثير عن فنون الزخرفة، والذي يعد اليوم من أبرز فنانيها.. علما أنه تكفل بترميم المسجد العتيق بالعاصمة، متفننا في ترميم أبوابه الخشبية وأسقفه ومنبره بزخرفة آية في الإبداع''. حافظت الزخرفة على خصوصياتها، علما أنها عبارة عن منمنمات تعتمد على عدة ألوان زاهية كالازرق والاخضر والوردي. فيما يتعلق بمحاولة تسويق هذا الديكور الجميل، فهو أمر مطلوب، خاصة في الأماكن السياحية والأثرية وحتى في البيوت، وسيتمكن المولعون به من اقتنائه على الرغم من ارتفاع ثمنه، وهنا تقول فضيلة ''إن قيمة هذا الفن موضوعة فيه، لذلك لا يمكن أن تكون أسعاره زهيدة مثل اسعار الساندويتش''. للتذكير، فقد أقيمت عدة معارض خاصة بفن زخرفة الخشب، منها معرض أقيم مؤخرا بالمركز الثقافي الفرنسي أدهش الأجانب الذين وصفوه بالقطع الأثرية، لذلك يرجو الفنانون أن يمثلوا هذا التراث في كل المحافل الثقافية وفي الأسابيع الثقافية الجزائرية بالخارج. من بين الذين شاركوا في المعرض، إضافة الى السيدة فضيلة، بلخير توامي فريدة، دروش نسيمة، نوارة جميلة، بوزيدة وغيرهن.