الجزائر تحتفي بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية التي هي الفعل الثقافي المحوري لسنة ,2011 وبهذه المناسبة، اِرتأيتا أن نتاول معلما تاريخيا كبيرا ورمزا إسلاميا عظيما، وهو الجامع الكبير، وذلك من خلال دراسة دقيقة وتاريخية أعدّها المرحوم فضيلة الشيخ عبد الرحمان الجيلالي، وقد تم نشرها في عدد خاص من مجلة الأصالة التي كانت تصدرها وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، وقد جاء العدد الخاص بمناسبة ذكرى مرور ألف سنة عن إنشاء مدينة الجزائر العاصمة سنة 1972 والعيد العاشر للإستقلال الوطني. إن مؤسسها هو حسان بن نعمان والي إفرقية من قبل الأمويين (73- 86ه/692 -705م)، ويقال أنها بنيت على عهد هشام بن عبد الملك. وتاريخ إنشاء المآذن في الإسلام يرجع إلى عهد ولاية مسملة بن مخلد الأنصاري على مصر (47 ه667م)، حيث أمر بابتناء منار المسجد العتيق جامع عمرو بن العاص، فهو أول من أقام للآذان منارا وابتناه بالمسجد.. وأما المحراب فهو متأخر بعشرات السنين عن تأسيس المئذنة؛ إذ يرجع تاريخ إنشائه إلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فهو أول من أحدث المحراب عندما أعاد بناء المسجد النبوي بالمدينة المنورة سنة 88 ه 706م. وترفع صومعة الجامع الكبير عن مستوى الأرض إلى علو 15 مترا، وتنتهي بقبة صغيرة عليها تفافيح ثلاثة من نحاس، معصبة شرفاتها العليا باحاطتها بأربع وعشرين كتفا مثل ما يحيط بأعالي أسوار المسجد، ومزخرفة جهاتها الأربع من الخارج برسم أقواس ثلاثة على طريقة النقش مضرسة مصنوعة باللبن، تتوسطها نافذة للإضاءة من الجهتين؛ إحداهما بالشمال الغربي، والأخرى بالجنوب الشمالي، وهناك فتح يتوسطها بالجنوب الغربي على شكل باب يؤدي إلى سطح المسجد، وهذه المئذنة متأخرة عن تاريخ تأسيس المسجد بقرنين ونصف، إذ يرجع عهد بنائها إلى أوائل القرن الثامن الهجري أيام الملوك الزيانيين من بني عبد الواد بتلمسان، و ذلك ما يشهد به النقش المزبور على رخامة بيضاء مثبتة على الجدار القائم عن يمين الآخذ في الصعود إلى المئذنة متصلا ببابها، وإليك نص النقش المذكور وهو بخط أندلسي مغربي: ''بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد. لما تمم أمير المسلمين أبوتاشفين أيده الله ونصره منار الجزائر في مدة أولها يوم الأحد السابع عشر من ذي القعدة من عام اثنين وعشرين وسبعمائة، وكان تمامها وكمالها في غرة رجب من عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة، نادا المنار المذكور بلسان حاله الخالي: أي منار حاله في الحسن كحالي ''أقام أمير المسلمين تفافحا كساني بها حسنا وتمم بنياني وقابلني بدر السماء وقال لي عليك سلامي أيها القمر الثاني فلا منظر يسبي النفوس كمنظري ألا فانظروا حسني وبهجة أركاني فزاد الهي رفعة لمتممي كما زاد في شأني ورفع أركاني ولازال نصر الله حول لوائه رفيقا له تال وحسنا له ثاني'' وكثيرا ما نرى من يشتبه عليه لأول وهلة إسم مؤسس هذا المنار أبي تاشفين الزياني بمؤسس المسجد أمير المرابطين يوسف بن تاشفين، ومنهم العلامة الشيخ أبوراس في كتابه الحلل السندسية، فإنه جعل المسجد نفسه من مآثر أبي تاشفين الزياني نفسه، فقال في سياق كلامه عن دولة بني زيان''وأما الجزائر فدخلت في ملكهم أولا، وأن أبا تاشفين منهم لما أباد الثعالبة بنى الجامع الأعظم بالجزائر ونقش اسمه في صومعته'' وهذا خطأ بين فشتان ما بين أبي تاشفين وابن تاشفين، فالأول وهو مؤسس المنار إسمه أبوتاشفين عبد الرحمن بن أبي حمو موسى، خامس سلاطين بني عبد الواد الملوك الزيانيين بتلمسان، نودي عليه سلطانا في الثالث والعشرين من جمادى الأولى عام 718ه/23 جويلية 1318م وتوفي سنة 737 ه/1337م. وأما الثاني وهو مؤسس الجامع الكبير، فاسمه يوسف بن تاشفين عاهل دولة المرابطين المتوفي سنة 500 ه 1107م، وذاك عاصمته تلمسان وهذا عاصمته مراكش، وكان الباعث لهذا الاشتباه هو وجود إسم تاشفين في كلا إسم المأيرين، وكلاهما كانت له يد في إقامة هذه المؤسسة الجزائرية العظيمة، ولقد لفتت مساجد المرابطين اهتمام ملوك بني عبد الواد الزيانيين، وأذكت مشاعرهم منها على الأخص المآذن، فشاركوهم في تشييدها والتنويه بعمارتها، فنرى كلا من المئذنتين القائمتين إلى اليوم بتلمسان أو بالجزائر هما من صنع الزيانيين، فمئذنة جامع تلمسان هي من مآثر السلطان يغمراسن بن زيان أو ملوك بني عبد الواد (633-681 ه/1236-1283م) ومئذنة الجزائر هي من عمل حفيده أبي تاشفين.